وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الزَّجْرِ وَالْوَعِيدِ وَإِلَّا فَالْمُتْلَفُ لَا يُضْمَنُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ مِثْلِهِ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْكُمُ بِهِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَقِيلَ: كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: هَذَا إِيجَابٌ لِلْغَرَامَةِ وَالتَّعْزِيرِ فِيمَا يُخْرِجُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الضَّرُورَةِ الْمُرَخَّصِ فِيهَا وَلِأَنَّ الْمُلَّاكَ لَا يَتَسَامَحُونَ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الْقَدْرِ الْيَسِيرِ الَّذِي يُؤْكَلُ، وَلَعَلَّ تَضْعِيفَ الْغَرَامَةِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ تَغْلِيظًا فِي أَوَائِلِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُوجِبِ الْقَطْعَ فِيهِ وَأَوْجَبَ فِيمَا يُوجَدُ مِمَّا جُمِعَ فِي الْبَيْدَرِ بِقَوْلِهِ (وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ) أَيْ: مِنَ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ (شَيْئًا) إِلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ مَوَاضِعَ النَّخْلِ بِالْمَدِينَةِ لَمْ تَكُنْ مُحُوطَةً مَحْرُوزَةً وَلِذَا قَيَّدَهُ (بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: آوَى وَأَوَى بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَالْمَقْصُورُ مِنْهُمَا لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ وَمِنَ الْمُتَعَدِّي هَذَا الْحَدِيثُ وَالْمَعْنَى يَضُمَّهُ وَيَجْمَعَهُ (الْجَرِينُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مَوْضِعُ تَجْفِيفِ التَّمْرِ وَهُوَ لَهُ كَالْبَيْدَرِ لِلْحِنْطَةِ وَهُوَ حِرْزٌ عَادَةً فَإِنَّ الْجَرِينَ لِلثِّمَارِ كَالْمَرَاحِ لِلشِّيَاهِ وَحِرْزُ الْأَشْيَاءِ عَلَى حَسَبِ الْعَادَاتِ (فَبَلَغَ) أَيْ: قِيمَةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ (ثَمَنَ الْمِجَنِّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَيِ: التُّرْسِ الْمُسَمَّى بِالدَّرَقَةِ وَالْمُرَادُ بِثَمَنِهِ نِصَابُ السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ كَانَ يُسَاوِي فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ رُبْعَ دِينَارٍ، وَقِيلَ: هُوَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَهُوَ نِصَابُ السَّرِقَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ) وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الْمُرَادُ بِثَمَنِ الْمِجَنِّ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ» (وَذَكَرَ) أَيْ: جِدُّ عَمْرٍو (فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ) أَيْ: مِنَ الرُّوَاةِ (قَالَ) أَيْ: جَدُّ عَمْرٍو (وَسُئِلَ) أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (عَنِ اللُّقْطَةِ، فَقَالَ: مَا كَانَ) أَيْ: وُجِدَ مِنْهَا (فِي الطَّرِيقِ الْمِيتَاءِ) كَذَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ وَقَدْ وَقَعَ فِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ وَبَعْضِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ: فِي طَرِيقِ الْمَيْتَاءِ بِإِضَافَةٍ، وَالْمِيتَاءُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ مَمْدُودَةً أَيِ: الْعَامَّةُ الْمُسَمَّاةُ بِالْجَادَّةِ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْمِيتَاءُ الطَّرِيقُ الْعَامُّ وَمُجْتَمَعُ الطَّرِيقِ أَيْضًا مِيتَاءُ وَالْجَادَّةُ الَّتِي تَسْلُكُهَا السَّابِلَةُ وَهُوَ مِفْعَالٌ مِنِ الْإِتْيَانِ أَيْ: يَأْتِيهِ النَّاسُ وَيَسْلُكُهُ اه فَالْيَاءُ فِي مِيتَاءَ أَصْلُهُ هَمْزٌ أُبْدِلَ يَاءً جَوَازًا وَالْهَمْزُ فِيهِ أَصْلُهُ يَاءٌ أُبْدِلَ هَمْزًا وُجُوبًا، فَتَأَمَّلْ (وَالْقَرْيَةِ الْجَامِعَةِ) أَيْ: لِسَاكِنِهَا (عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ) أَيْ: صَاحِبُهَا وَفِيهِ تَفَنُّنٌ (فَهُوَ) أَيِ: الْمَلْقُوطُ (لَكَ) أَيْ: مِلْكٌ لَكَ أَوْ خَاصٌّ لَكَ تَتَصَّرَفُ فِيهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُوجَدُ مِنَ اللُّقْطَةِ فِي الْعُمْرَانِ وَالطُّرُقِ الْمَسْلُوكَةِ غَالِبًا يَجِبُ تَعْرِيفُهَا إِذِ الْغَالِبُ أَنَّهَا مِلْكُ مُسْلِمٍ (وَمَا كَانَ) أَيْ: وُجِدَ (فِي الْخَرَابِ الْعَادِيِّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيِ: الْقَدِيمِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ خَرِبَةٍ وَالْأَرَاضِي الْعَادِيَّةِ الَّتِي لَمْ يَجَرِ عَلَيْهَا عِمَارَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ وَلَمْ تَدْخُلْ فِي مِلْكِ مُسْلِمٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْجُودُ مِنْهُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ غَيْرَهُمَا مِنَ الْأَوَانِي وَالْأَقْمِشَةِ (فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ: دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ كَأَنَّهُ رَكَزَ فِي الْأَرْضِ (الْخُمُسُ) بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي فَأُعْطِيَ لَهَا حُكْمُ الرِّكَازِ إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مَالِكَ لَهَا (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ عَمْرٍو (مِنْ قَوْلِهِ: وَسُئِلَ عَنِ اللُّقَطَةِ إِلَى آخِرِهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute