للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ ابْنِ الْجَرَّاحِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ مَشْهُورَةٍ وَغَيْرُهُمْ يَرَوْنَ تَوْرِيثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَتَابَعَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ التَّابِعِينَ عَلْقَمَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَشُرَيْحٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَمَنْ تَابَعَهُمْ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ: لَا مِيرَاثَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ وَيُوضَعُ الْمَالُ عِنْدَ عَدَمِ صَاحِبِ الْفَرْضِ وَالْعَصَبَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَتَابَعَهُمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَاحْتَجَّ النَّافُونَ بِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي آيَاتِ الْمَوَارِيثِ نَصِيبَ ذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِذَوِي الْأَرْحَامِ شَيْئًا وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَبَيَّنَهُ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، وَبِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا اسْتُخْبِرَ عَنْ مِيرَاثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ قَالَ: أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنْ لَا شَيْءَ لَهُمَا، وَلَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: ٧٥] إِذْ مَعْنَاهُ أَوْلَى بِمِيرَاثِ بَعْضٍ كَمَا كَتَبَ اللَّهُ وَحَكَمَ بِهِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَسَخَتِ التَّوَارُثَ بِالْمُوَالَاةِ كَمَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ قُدُومِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمَدِينَةَ فَمَا كَانَ لِمَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَالْمُؤَاخَاةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ صَارَ مَصْرُوفًا إِلَى ذَوِي الرَّحِمِ وَمَا بَقِيَ مِنْهُ إِرْثُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ صَارَ مُتَأَخِّرًا عَنْ إِرْثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَقَدْ شَرَعَ لَهُمُ الْمِيرَاثَ بَلْ فَصَّلَ بَيْنَ ذِي رَحِمٍ لَهُ فَرْضٌ أَوْ تَعْصِيبٌ، وَذِي رَحِمٍ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْهُمَا فَيَكُونُ ثَابِتًا لِلْكُلِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَلَا يَجِبُ تَفْصِيلُهُمْ كُلُّهُمْ فِي آيَاتِ الْمَوَارِيثِ، وَأَيْضًا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا رَمَى سَهْمًا إِلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فَقَتَلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ إِلَّا خَالُهُ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ ابْنُ الْجَرَّاحِ إِلَى عُمَرَ فَأَجَابَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ» . لَا يُقَالُ الْمَقْصُودُ بِمِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ النَّفْيُ دُونَ الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ: الصَّبْرُ حِيلَةُ مَنْ لَا حِيلَةَ لَهُ وَالصَّبْرُ لَيْسَ بِحِيلَةٍ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: مَنْ كَانَ وَارِثَهُ الْخَالُ فَلَا وَارِثَ لَهُ ; لِأَنَّا نَقُولُ: صَدْرُ الْحَدِيثِ يَأْبَى هَذَا الْمَعْنَى بَلْ نَقُولُ: بَيَانُ الشَّرْعِ بِلَفْظِ الْإِثْبَاتِ وَإِرَادَةِ النَّفْيِ تُؤَدِّي إِلَى الِالْتِبَاسِ، فَلَا يَجُوزُ مِنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ الْكَاشِفِ عَنْهَا، وَأَيْضًا «لَمَّا مَاتَ ثَابِتُ ابْنُ الدَّحْدَاحِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِقَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ: هَلْ تَعْرِفُونَ لَهُ نَسَبًا فِيكُمْ؟ فَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ غَرِيبًا فِينَا فَلَا نَعْرِفُ لَهُ إِلَّا ابْنَ أُخْتٍ هُوَ أَبُو لُبَابَةَ ابْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِيرَاثَهُ لَهُ» . وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا رَوَيْنَاهُ مُوَافِقًا لِلْقُرْآنِ وَبَيْنَ مَا رَوَيْتُمُوهُ مُخَالِفًا لَهُ أَنْ يُحْمَلَ مَا رَوَيْتُمُوهُ عَلَى مَا قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ لَا تَرِثَانِ مَعَ عَصَبَةٍ وَلَا مَعَ ذِي فَرْضٍ يُرَدُّ عَلَيْهِ فَإِنَّ الرَّدَّ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ مُقَدَّمٌ عَلَى وَرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَإِنْ كَانُوا يَرِثُونَ مَعَ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ كَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ الْجُرْجَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْفَرَائِضِ (وَيَفُكُّ) أَيِ: الْخَالُ (عَانَهُ) أَيْ: بِأَدَاءِ الدِّيَةِ عَنْهُ أَوْ يُفَادِيهِ عِنْدَ أَسْرِهِ (وَفِي رِوَايَةٍ: «وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ» ) أَيْ: أُؤَدِّي عَنْهُ مَا يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ، وَفِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: أَعْقِلُهُ يُقَالُ عَقَلْتُ لَهُ دَمَ فُلَانٍ إِذَا تَرَكْتُ الْقَوَدَ لِلدِّيَةِ وَلَا مَعْنَى لَهُ فِي الْحَدِيثِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ أُعْطِي لَهُ وَأَقْضِي عَنْهُ وَأَرِثُهُ أَيْ: مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَعْقِلُ عَنْهُ أَيْ: إِذَا جِيءَ ابْنُ أُخْتِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ يُؤَدِّي الْخَالُ عَنْهُ الدِّيَةَ كَالْعَصَبَةِ (وَيَرِثُهُ) أَيِ: الْخَالُ إِيَّاهُ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «الْخَالُ وَارْثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ.»

<<  <  ج: ص:  >  >>