٣٠٥٨ - وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا وَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا وَلَا تُنْكَحَانِ إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ. قَالَ: يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى عَمِّهِمَا فَقَالَ: أَعْطِ لِابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ، وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
ــ
٣٠٥٨ - (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيِ: الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ وَكَانَ آخَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَدُفِنَ هُوَ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ (بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ) أَيِ: الْبِنْتَانِ (ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ) أَيْ: مُصَاحِبًا لَكَ (يَوْمَ أُحُدٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ " مَعَكَ " " بِقُتِلَ " الْكَشَّافَ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} [يوسف: ٣٦] " مَعَ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الصُّحْبَةِ وَاسْتِحْدَاثِهَا كَقَوْلِهِ: خَرَجْتُ مَعَ الْأَمِيرِ يُرِيدُ: مُصَاحِبًا لَهُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُمَا السِّجْنَ مُصَاحِبَيْنِ لَهُ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: ١٠٢] لَا يَصِحُّ تَعَلُّقُ مَعَهُ بِبَلَغَ لِاقْتِضَائِهَا بُلُوغَهُمَا مَعًا فَهُوَ بَيَانٌ كَأَنَّهُ لَمَّا قَالَ {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: ١٠٢] أَيِ: الْحَدَّ الَّذِي يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى السَّعْيِ، قِيلَ مَعَ مَنْ قِيلَ مَعَ أَبِيهِ " وَكَذَلِكَ التَّقْدِيرُ: فَلَمَّا قِيلَ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ قِيلَ مَعَ مَنْ قِيلَ مَعَكَ، وَقَوْلُهُ (شَهِيدًا) تَمْيِيزٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مُؤَكَّدَةً لِأَنَّ السَّابِقَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ ( «وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا» ) أَيْ: عَلَى طَرِيقِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي حِرْمَانِ النِّسَاءِ مِنَ الْمِيرَاثِ ( «وَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا» ) أَيْ: وَلَمْ يَتْرُكْ عَمُّهُمَا لَهُمَا مَالًا يُنْفَقُ عَلَيْهِمَا أَوْ تُجَهَّزَانِ بِهِ لِلزَّوَاجِ (وَلَا تُنْكَحَانِ) أَيْ: لَا تُزَوَّجَانِ عَادَةً أَوْ غَالِبًا أَوْ مَعَ الْعِزَّةِ ( «إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ. قَالَ: يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ» ) أَيْ: يَحْكُمُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ ( «فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ» ) أَيْ: قَوْلُهُ تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: ١١] وَكَلِمَةُ فَوْقَ صِلَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الأنفال: ١٢] ( «فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى عَمِّهِمَا فَقَالَ: أَعْطِ لِابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ» ) بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي ( «وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ» ) وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: ١٢] (وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ) أَيْ: بِالْعُصُوبَةِ، وَهَذَا أَوَّلُ مِيرَاثٍ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاخْتُلِفَ فِي الْبِنْتَيْنِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْوَاحِدَةِ أَيْ لَا حُكْمَ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الثُّلُثَيْنِ لِمَا فَوْقَهُمَا. وَقَالَ الْبَاقُونَ: حُكْمُهُمَا حُكْمُ مَا فَوْقَهُمَا لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنْ حَظَّ الذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إِذَا كَانَ مَعَهُ أُنْثَى وَهُوَ الثُّلُثَانِ اقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ فَرْضَهُمَا الثُّلُثَانِ ثُمَّ لَمَّا أَوْهَمَ ذَلِكَ أَنْ يُزَادَ النَّصِيبُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ رُدَّ ذَلِكَ الْوَهْمُ بِقَوْلِهِ {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} [النساء: ١١] وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْبِنْتَ الْوَاحِدَةَ لَمَّا اسْتَحَقَّتِ الثُّلُثَ مَعَ أَخِيهَا فَبِالْحَرِيِّ أَنْ تَسْتَحِقَّهُ مَعَ أُخْتٍ مِثْلِهَا، وَإِنَّ الْبِنْتَيْنِ أَمَسُّ رَحِمًا مِنَ الْأُخْتَيْنِ، وَقَدْ فَرَضَ لَهُمَا الثُّلُثَيْنِ بِقَوْلِهِ {فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: ١٧٦] اه. وَالْحَدِيثُ يُوَافِقُ الْجُمْهُورَ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغِ ابْنَ عَبَّاسٍ أَوْ مَا صَحَّ عِنْدَهُ (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute