كِتَابُ النِّكَاحِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٣٠٨٠ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
(١٢) - كِتَابُ النِّكَاحِ
قِيلَ: هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا، وَقِيلَ: حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ، وَقِيلَ: وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَوْ يَخَافُ الْوُقُوعَ فِي الْحَرَامِ. وَفِي النِّهَايَةِ: " إِنْ كَانَ لَهُ خَوْفُ وُقُوعِ الزِّنَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ التَّحَرُّزِ إِلَّا بِهِ كَانَ فَرْضًا، وَعِنْدَ خَوْفِ الْجَوْرِ مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الِاعْتِدَالِ فَدَاوُدُ وَأَتْبَاعُهُ مِنْ أَهْلَ الظَّاهِرِ، عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الْوَطْءِ وَالْإِنْفَاقِ، تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣] وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فَقِيلَ: فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ: وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَقِيلَ: مُسْتَحَبٌّ، وَقِيلَ: سُنَّةٌ مُؤَكِّدَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الْعِبَادَاتِ حَتَّى أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلُ مِنَ التَّخَلِّي عَنْهُ لِمَحْضِ الْعِبَادَةِ، وَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ مُبَاحٌ وَأَنَّ التَّجَرُّدَ لِلْعِبَادَةِ أَفْضَلُ مِنْهُ وَحَقِيقَةُ الْفَضْلِ تَنْفِي كَوْنَهُ مُبَاحًا إِذْ لَا فَضْلَ فِي الْمُبَاحِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ اقْتَرَنَ بِنِيَّةٍ كَانَ ذَا فَضْلٍ، وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ أَدِلَّةٌ وَأَجْوِبَةٌ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْإِمَامِ ابْنِ الْهُمَامِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " إِنْ وَجَدَ الْمُؤَنَ وَالْأَسْبَابَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ النِّكَاحُ وَلَوْ تَاقَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ، ثُمَّ الْأَوْلَى لَهُ تَرْكُ النِّكَاحِ وَالتَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ: أَنَّ النِّكَاحَ لَهُ أَفْضَلُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَيُكْرَهُ لَهُ النِّكَاحُ.
٣٠٨٠ - (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ» ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ شَابٍّ، وَهُوَ مَنْ بَلَغَ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ ثَلَاثِينَ، وَالْمَعْشَرُ هُمُ الطَّائِفَةُ الَّذِينَ يَشْمَلُهُمْ وَصْفٌ كَالشَّبَابِ وَالشَّيْخُوخَةِ وَالْبُنُوَّةِ ( «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ» ) بِالْمَدِّ وَالْهَاءِ، وَهِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الشَّهِيرَةُ الصَّحِيحَةُ، وَالثَّانِيَةُ بِلَا مَدٍّ، وَالثَّالِثُ بِالْمَدِّ بِلَا هَاءٍ، وَالرَّابِعَةُ بِهَاءَيْنِ بِلَا مَدٍّ، وَهِيَ الْبَاهَةُ. وَمَعْنَاهَا الْجِمَاعُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْبَاهِ الْمُنْزَّلِ، ثُمَّ قِيلَ لِعَقْدِ النِّكَاحِ بَاهٌ، لِأَنَّ مَنْ تَزَوُّجَ امْرَأَةً بَوَّأَهَا مَنْزِلًا، وَفِيهِ حَذْفٌ مُضَافٌ أَيْ: مُؤْنَةُ الْبَاءَةِ مِنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ " عَطْفٌ عَلَى " مَنِ اسْتَطَاعَ " وَلَوْ حَمَلَ الْبَاءَةَ عَلَى الْجِمَاعِ لَمْ يَسْتَقِمْ قَوْلُهُ: قَالَ الصَّوْمُ لَهُ وِجَاءٌ ; لِأَنَّهُ لَا يُقَالَ لِلْعَاجِزِ هَذَا، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إِذَا قِيلَ: أَيْهَا الْقَادِرُ الْمُتَمَكِّنُ مِنَ الشَّهْوَةِ إِنْ حَصَلَتْ لَكَ مُؤَنُ النِّكَاحِ تَزَوَّجْ وَإِلَّا فَصُمْ، وَلِهَذَا السِّرِّ خَصَّ النِّدَاءَ بِالشُّبَّانِ (فَلْيَتَزَوَّجْ) قِيلَ: الْأَمْرُ فِيهِ لِلْوُجُوبِ، لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ التَّوَقَانِ بِإِشَارَةِ قَوْلِهِ: " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ " فَإِنَّهُمْ ذُو التَّوَقَانِ عَلَى الْجِبِلَّةِ السَّلِيمَةِ (فَإِنَّهُ) أَيْ: التَّزَوُّجَ (أَغَضُّ لِلْبَصَرِ) أَيْ: أَخْفَضُ وَأَدْفَعُ لِعَيْنِ الْمُتَزَوِّجِ عَنِ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ غَضِّ طَرْفِهِ أَيْ: خَفْضِهِ وَكَفِّهِ (وَأَحْصَنُ) أَيْ: أَحْفَظُ (لِلْفَرْجِ) أَيْ: عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أَيْ: مُؤَنُ الْبَاءَةِ ( «فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ» ) قِيلَ: هُوَ مِنْ إِغْرَاءِ الْغَائِبِ، وَبِتَقْدِيمِ قَوْلِهِ: " «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ» " صَارَ كَالْحَاضِرِ، وَقِيلَ: الْبَاءُ زَائِدَةٌ أَيْ: فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ، فَالْحَدِيثُ بِمَعْنَى الْخَبَرِ لَا الْأَمْرِ، وَقِيلَ: مِنْ إِغْرَاءِ الْمُخَاطَبِ أَيْ أَشِيرُوا عَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، (فَإِنَّهُ) أَيْ: الصَّوْمُ (لَهُ) أَيْ: لِمَنْ قَدَرَ عَلَى الْجِمَاعِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّزَوُّجِ لِفَقْرِهِ (وِجَاءٌ) بِالْكَسْرِ بِالْمَدِّ أَيْ: كَسْرٌ لِشَهْوَتِهِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ رَضُّ الْخُصْيَتَيْنِ وَدَقُّهُمَا لِتَضْعُفَ الْفُحُولَةُ، فَالْمَعْنَى أَنَّ الصَّوْمَ يَقْطَعُ الشَّهْوَةَ وَيَدْفَعُ شَرَّ الْمَنِيِ كَالْوِجَاءِ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ: فَعَلَيْهِ بِالْجُوعِ، وَقِلَّةِ مَا يَزِيدُ فِي الشَّهْوَةِ وَطُغْيَانِ الْمَاءِ مِنَ الطَّعَامِ، فَعَدَلَ إِلَى الصَّوْمِ إِذْ مَا جَاءَ بِمَعْنَى عِبَادَةٍ هِيَ بِرَأْسِهَا مَطْلُوبَةٌ، وَلِيُؤْذَنَ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ نَفْسِ الصَّوْمِ الْجُوعُ وَكَسْرُ الشَّهْوَةِ، وَكَمْ مِنْ صَائِمٍ يَمْتَلِئُ مِعًى اه. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ فِيهِ هَذَا السِّرُّ وَالنَّفْعُ لِهَذَا الْمَرَضِ، وَلَوْ أَكَلَ وَشَرِبَ كَثِيرًا إِذَا كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلِأَنَّ الْجُوعَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَالشِّبَعَ فِي بَعْضِهَا لَيْسَ كَالشِّبَعِ الْمُسْتَمِرِّ فِي تَقْوِيَةِ الْجِمَاعِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute