للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٣٠٨١ - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

٣٠٨١ - (وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: «رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ» ) أَيْ: الِانْقِطَاعَ عَنِ النِّسَاءِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ شَرِيعَةِ النَّصَارَى، فَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ أُمَّتَهُ ; لِيَكْثُرَ النَّسْلُ وَيَدُومَ الْجِهَادُ. قَالَ الرَّاوِي: (وَلَوْ أَذِنَ لَهُ) أَيْ: لِعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ (لَاخْتَصَيْنَا) أَيْ: لَجَعَلَ كُلٌّ مِنَّا نَفْسَهُ خَصِيًّا كَيْلَا يَحْتَاجَ إِلَى النِّسَاءِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: " كَانَ مِنْ حَقِّ الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ: لَوْ أَذِنَ لَتَبَتَّلْنَا، فَعَدَلَ إِلَى قَوْلِهِ: اخْتَصَيْنَا إِرَادَةً لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ: لَوْ أَذِنَ لَبَالَغْنَا فِي التَّبَتُّلِ حَتَّى بِالِاخْتِصَاءِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " كَانَ ذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُمْ جَوَازُ الِاخْتِصَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الظَّنُّ مُوَافِقًا فَإِنَّ الِاخْتِصَاءَ فِي الْآدَمِيِّ حَرَامٌ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، وَكَذَا يَحْرُمُ خِصَاءُ كُلِّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ، وَأَمَّا الْمَأْكُولُ فَيَجُوزُ فِي صِغَرِهِ وَيَحْرُمُ فِي كِبَرِهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: " التَّجَرُّدُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: ٣٩] يَمْدَحُ يَحْيَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِعَدَمِ إِتْيَانِ النِّسَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ هَذَا مَعْنَى الْحَصُورِ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمِثْلِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ: الْحَيَاءُ، وَالتَّعَطُّرُ، وَالسِّوَاكُ، وَالنِّكَاحُ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: " «أَرْبَعٌ مَنْ أُعْطِيَهُنَّ فَقَدْ أُعْطِيَ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: قَلْبًا شَاكِرًا، وَلِسَانًا ذَاكِرًا، وَبَدَنًا عَلَى الْبَلَاءِ صَابِرًا، وَزَوْجَةً لَا تَبْغِيهِ حُوبًا فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ» ". رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ، وَإِسْنَادُ أَحَدِهِمَا جَيِّدٌ، لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي الْجَوَابِ: لَا أُنْكِرُ الْفَضِيلَةَ مَعَ حُسْنِ النِّيَّةِ وَإِنَّمَا أَقُولُ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ أَفْضَلُ فَالْأَوْلَى فِي حَوَابِهِ التَّمَسُّكُ بِحَالِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَرَدُّهُ عَلَى مَنْ أَرَادَ مِنْ أَمَّتِهِ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَيْنِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلُوا أَزْوَاجَهُ عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ: بَعْضُهُمْ لَا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ: بَعْضُهُمْ لَا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: " مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا، لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» " فَرَدَّ هَذَا الْحَالَ رَدًّا مُؤَكَّدًا حَتَّى تَبَرَّأَ مِنْهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَفْضَلِيَّةُ فِي الِاتِّبَاعِ لَا فِيمَا تُخَيَّلُ النَّفْسُ أَنَّهُ أَفْضَلُ نَظَرًا إِلَى ظَاهِرِ عِبَادَةٍ وَتَوَّجُهٍ، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَرْضَى لِأَشْرَفِ أَنْبِيَائِهِ إِلَّا بِأَشْرَفِ الْأَحْوَالِ وَكَانَ حَالُهُ إِلَى الْوَفَاةِ النِّكَاحَ، فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُقِرَّهُ عَلَى تَرْكِ الْأَفْضَلِ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ، وَحَالُ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ أَفْضَلَ فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ، وَقَدْ نُسِخَتِ الرَّهْبَانِيَّةُ فِي مِلَّتِنَا، وَلَوْ تَعَارَضَا قُدِّمَ التَّمَسُّكُ بِحَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: تَزَوَّجُوا فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءًا، وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ مِنْ تَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ وَتَوْسِعَةِ الْبَاطِنِ بِالتَّحَمُّلِ فِي مُعَاشَرَةِ أَبْنَاءِ النَّوْعِ وَتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ، وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحَ الْمُسْلِمِ الْعَاجِزِ عَنِ الْقِيَامِ بِهَا وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْأَقَارِبِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ، وَإِعْفَافِ الْحُرُمِ وَنَفْسِهِ وَدَفْعِ الْفِتْنَةِ عَنْهُ وَعَنْهُنَّ، وَدَفْعِ التَّقْتِيرِ عَنْهُنَّ بِحَبْسِهِنَّ لِكِفَايَتِهِنَّ مُؤْنَةَ سَبَبِ الْخُرُوجِ ثُمَّ الِاشْتِغَالُ بِتَأْدِيبِ النَّفْسِ وَتَأْهِيلِهِ لِلْعُبُودِيَّةِ، وَلِتَكُونَ هِيَ أَيْضًا سَبَبًا لِتَأْهِيلِ غَيْرِهَا وَأَمْرِهَا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْفَرَائِضَ كَثِيرَةٌ لَمْ يَكَدْ يَقِفُ عَلَى الْجَزْمِ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ التَّخَلِّي بِخِلَافِ مَا إِذَا عَارَضَهُ خَوْفُ الْجَوْرِ إِذِ الْكَلَامُ لَيْسَ فِيهِ، بَلْ فِي الِاعْتِدَالِ مَعَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ نِيَّةٌ كَانَ مُبَاحًا عِنْدَهُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَمَبْنَى الْعِبَادَةِ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَقُولُ: بَلْ فِيهِ فَضَلٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ قَضَائِهَا بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الْمَشْرُوعِ، فَالْعُدُولُ إِلَيْهِ مَعَ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَثْقَالًا فِيهِ قَصْدُ تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ وَعَلَيْهِ يُثَابُ وَوُعِدَ الْعَوْنَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِاسْتِحْسَانِ حَالَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>