بَابُ النَّظَرِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٣٠٩٨ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ: قَالَ: «فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
أَيْ: جَوَازُهُ (إِلَى الْمَخْطُوبَةِ، وَبَيَانُ الْعَوْرَاتِ) بِسُكُونِ الْوَاوِ: مَا يَجِبُ سَتْرُهُ عَنِ الْأَعْيُنِ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْعَوْرَةُ سَوْأَةُ الْإِنْسَانِ وَأَصْلُهَا مِنَ الْعَارِ، وَذَلِكَ كِنَايَةٌ لِمَا يَلْحَقُ فِي ظُهُورِهِ مِنْ عَارِ الْمَذَمَّةِ، وَيَسْتَحِي مِنْهُ إِذَا ظَهَرَ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ النِّسَاءُ عَوْرَةً، وَمِنْ ذَلِكَ الْعَوْرَاءُ لِلْكَلِمَةِ الْقَبِيحَةِ.
٣٠٩٨ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ) أَيْ: أَرَدْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَهَا أَوْ طَلَبْتُ زَوَاجَهَا. (قَالَ: فَانْظُرْ إِلَيْهَا) قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ جَوَازُ النَّظَرِ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا. قُلْتُ: فِي دَلَالَتِهِ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ إِلَى الْكَفَّيْنِ نَظَرٌ، وَيَأْبَى عَنْهُ أَيْضًا تَعْلِيلَهُ بِقَوْلِهِ: (فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ) أَيْ: بَعْضِهِمْ (شَيْئًا) أَيْ: مِمَّا يُنَفِّرُ عَنْهُ الطَّبْعُ وَلَا يَسْتَحْسِنُهُ لِأَنَّهُ رَآهُ فِي الرِّجَالِ فَقَاسَ النِّسَاءَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُنَّ شَقَائِقُ الرِّجَالِ، وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ الْأَنْصَارَ أَوْ لِتَحْدِيثِ النَّاسِ بِهِ أَوْ أَنَّهُ عِلْمٌ بِالْوَحْيِ. قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَزَوَّجْتُ خَطَبْتُ لِيُفِيدَ الْأَمْرَ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا، وَلِلْعُلَمَاءِ خِلَافٌ فِي جَوَازِ النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَجَوَّزَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مُطْلَقًا، أَذِنَتِ الْمَرْأَةُ أَمْ لَمْ تَأْذَنْ، لِحَدِيثَيْ جَابِرٍ وَالْمُغِيرَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي أَوَّلِ الْحِسَانِ، وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ بِإِذْنِهَا، وَرُوِيَ عَنْهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا. قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " قِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ شَيْئًا صِغَرٌ أَوْ زُرْقَةٌ، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ ذِكْرِ مِثْلَ هَذَا لِلنَّصِيحَةِ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ النَّظَرِ إِلَيْهَا قَبْلَ الْخِطْبَةِ، حَتَّى إِنْ كَرِهَهَا تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ إِيذَاءٍ بِخِلَافِ مَا إِذَا تَرَكَهَا بَعْدَ الْخِطْبَةِ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ النَّظَرُ اسْتَحَبَّ أَنْ يَبْعَثَ امْرَأَةً تَصِفُهَا لَهُ، وَبِمَا يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا فَحَسْبُ، لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِعَوْرَةٍ فِي حَقِّهِ، فَيُسْتَدَلُّ بِالْوَجْهِ عَلَى الْجَمَالِ وَضِدِّهِ، وَبِالْكَفَّيْنِ عَلَى سَائِرِ أَعْضَائِهَا بِاللِّينِ وَالْخُشُونَةِ " اه. وَظَاهِرُ جَوَازِ إِمْسَاسِهَا فَإِنَّ بِهِ يَتَبَيَّنُ اللِّينُ وَضِدَّهُ، وَهُوَ لَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute