مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَلَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَلَا مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَبِيٍّ، قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " أَضَافَ الشَّرَّ إِلَى الْأَنْفُسِ أَوَّلًا كَسْبًا وَالْإِضْلَالَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ثَانِيًا خُلُقًا وَتَقْدِيرًا " (وَأَشْهَدُ) أَيْ: بِإِعَانَتِهِ وَهِدَايَتِهِ (أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) أَيْ: الْمُسْتَحِقُّ لِلْعُبُودِيَّةِ وَالثَّابِتُ الْأُلُوهِيَّةُ فِي تَوْحِيدِ ذَاتِهِ وَتَفْرِيدِ صِفَاتِهِ (وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) سَيِّدُ مَخْلُوقَاتِهِ وَسَنَدُ مَوْجُودَاتِهِ (وَيَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " هَذَا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَهُوَ يَقْتَضِي مَعْطُوفًا عَلَيْهِ فَالتَّقْدِيرُ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَيَقْرَأُ أَيِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: ١٠٢] فِي الْمَعَالِمِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، قِيلَ: وَأَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَقْوَى عَلَى هَذَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦] فَنُسِخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَقِيلَ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ مَبْنِيَّةٌ {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ١٠٢] أَيْ: مُؤْمِنُونَ أَوْ مُخْلِصُونَ أَوْ مُفَوَّضُونَ أَوْ مُحْسِنُونَ الظَّنَّ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: مُتَزَوِّجُونَ وَالنَّهْيُ فِي ظَاهِرِ الْكَلَامِ وَقَعَ عَلَى الْمَوْتِ وَإِنَّمَا نُهُوا فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ تَرْكِ الْإِسْلَامِ وَمَعْنَاهُ دَاوِمُوا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى لَا يُصَادِفَكُمُ الْمَوْتُ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي) هَكَذَا فِي نُسْخَةِ الْمِشْكَاةِ وَالْأَذْكَارِ وَتَيْسِيرِ الْوُصُولِ إِلَى جَامِعِ الْأُصُولِ وَبَعْضِ نَسْخِ الْحِصْنِ قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: " وَلَعَلَّهُ هَكَذَا فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَإِنَّ الْمُثَبَّتَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي} [النساء: ١] بِدُونِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلًا لِمَا فِي الْإِمَامِ فَيَكُونُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ اللَّامَ فِي يَا أَيُّهَا النَّاسُ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ الْمُؤْمِنُونَ، قُلْتُ: لَا يَصِحُّ هَذَا الِاحْتِمَالُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) الْآيَةَ، مَعَ أَنَّ الْمَوْصُولَيْنِ يُلَائِمَانِ التَّخْصِيصَ (تَسَاءَلُوا) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَبِتَشْدِيدِ السِّينِ قِرَاءَتَانِ مُتَوَاتِرَتَانِ (بِهِ) أَيْ: تَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ حَوَائِجَكُمْ بِاللَّهِ كَمَا تَقُولُونَ أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ؟ (وَالْأَرْحَامَ) بِالنَّصْبِ عِنْدَ عَامَّةِ الْقُرَّاءِ أَيْ وَاتَّقَوُا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا وَفِيهِ عَظِيمُ مُبَالَغَةٍ فِي اجْتِنَابِ قَطْعِ الرَّحِمَ وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِالْخَفْضِ أَيْ بِهِ وَبِالْأَرْحَامِ كَمَا فِي قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ يُقَالُ: سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ وَبِالرَّحِمِ، وَالْعَطْفُ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ الْجَارِ فَصِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ فِي طَعْنِ مَنْ طَعَنَ فِيهِ، وَقِيلَ: الْجَرُّ لِلْجِوَارِ، وَقِيلَ: الْوَاوُ لِلْقَسَمِ، وَقِيلَ: عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١] أَيْ حَافِظًا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} [الأحزاب: ٧٠] أَيْ مُخَالَفَتَهُ وَمُعَاقَبَتَهُ {وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: ٧٠] أَيْ: صَوَابًا وَقِيلَ: عَدْلًا، وَقِيلَ: صِدْقًا، وَقِيلَ: مُسْتَقِيمًا، وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ أَيْ دُومُوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [الأحزاب: ٧١] أَيْ: يَتَقَبَّلْ حَسَنَاتِكُمْ {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الأحزاب: ٧١] أَيْ: يَمْحُو سَيِّئَاتِكُمْ {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: ٧١] أَيْ: بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ الزَّوَاجِرِ {فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: ٧١] أَيْ: ظَفَرَ خَيْرًا كَثِيرًا وَأَدْرَكَ مُلْكًا كَبِيرًا (رَوَاهُ أَحْمَدُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ) وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَأَبُو عَوَانَةَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ (وَفِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ فَسَّرَ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ) أَقُولُ فَيُمْكِنُ الْغَلَطُ سَهْوًا مِنْهُ فَالْأَوْلَى أَنْ تُقْرَأَ الْآيَةُ عَلَى الْقُرَّاءِ الْمُتَوَاتِرَةِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ مِنَ الْحِصْنِ وَهُوَ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنِ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: ١]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute