للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِلِاسْتِدْلَالِ مَعَ عَدَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى حُصُولِ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ (وَأَسْلَمَتْ أَمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ امْرَأَةُ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ وَهَرَبَ زَوْجُهَا مِنَ الْإِسْلَامِ) أَيْ: مِنْ قُوَّةِ أَهْلِهِ وَشَوْكَتِهِمْ مَخَافَةً عَلَى نَفْسِهِ (حَتَّى قَدِمَ الْيَمَنَ فَارْتَحَلَتْ أَمُّ حَكِيمٍ) أَيْ: سَافَرَتْ وَرَاءَهُ (حَتَّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ الْيَمَنَ) أَيْ: فِيهَا (فَدَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ فَثَبَتَا عَلَى نِكَاحِهِمَا) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَإِنَّمَا هَرَبَ إِلَى السَّاحِلِ وَهُوَ مِنْ حُدُودِ مَكَّةَ فَلَمْ تَتَبَايَنْ دَارُهُمْ، وَأَمَّا مَا اسْتُدِلَّ بِهِ مِنْ قِصَّةِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ أَسْلَمَ فِي مُعَسْكَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ حِينَ أَتَى بِهِ الْعَبَّاسُ وَزَوْجَتُهُ هِنْدُ بِمَكَّةَ وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ إِذْ ذَاكَ، وَلَمْ يَأْمُرْهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِتَجْدِيدِ نِكَاحِهِمَا فَالْحَقُّ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الْإِسْلَامِ يَوْمَئِذٍ بَلْ وَلَا بَعْدَ الْفَتْحِ وَهُوَ شَاهَدَ حُنَيْنًا عَلَى مَا تُفِيدُهُ السِّيَرُ الصَّحِيحَةُ مِنْ قَوْلِهِ حِينَ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ: لَا تَرْجِعُ هَزِيمَتُهُمْ إِلَى الْبَحْرِ، وَمَا نُقِلَ أَنَّ الْأَزْلَامَ كَانَتْ مَعَهُ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَشْهَدُ بِمَا ذَكَرْنَا مِمَّا نُقِلَ مِنْ كَلَامِهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى هَوَازِنَ بِحُنَيْنٍ وَإِنَّمَا حَسُنَ إِسْلَامُهُ بَعْدَ ذَلِكَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالَّذِي كَانَ إِسْلَامُهُ حَسَنًا حِينَ أَسْلَمَ هُوَ أَبُو سَيْفَانَ بْنُ الْحَارِثِ وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ بَيْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ زَوْجِ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهَا هَاجَرَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَتَرَكَتْهُ بِمَكَّةَ عَلَى شِرْكِهِ ثُمَّ جَاءَ وَأَسْلَمَ بَعْدَ سَنَتَيْنِ، وَقِيلَ: ثَلَاثٍ، وَقِيلَ: سِتٍّ، وَقِيلَ: ثَمَانٍ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ. فَالْجَوَابُ أَنَّهُ: إِنَّمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، رَوَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْجَمْعُ إِذَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ إِهْدَارِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ عَلَى مَعْنًى بِسَبَبِ سَبْقِهِ مُرَاعَاةً لِحُرْمَتِهِ، وَقِيلَ: قَوْلُهُ: رَدَّهَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ، لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا مَعْنَاهُ عَلَى مِثْلِهِ، لَمْ يُحْدِثْ زِيَادَةً فِي الصَّدَاقِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ حَسَنٌ، هَذَا وَمَا ذَكَرْنَاهُ مُثَبَتٌ، وَعَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ نَافٍ لِأَنَّهُ مُبْقًى عَلَى الْأَصْلِ، وَأَيْضًا نَقْطَعُ بِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بَيْنَ زَيْنَبَ وَبَيْنَ أَبِي الْعَاصِ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَإِنَّهَا أَسْلَمَتْ بِمَكَّةَ فِي ابْتِدَاءِ الدَّعْوَةِ حِينَ دَعَا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَدِيجَةَ وَبَنَاتِهِ ; فَقَدِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ الَّتِي تَبَيَّنَ بِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ مِرَارًا وَوُلِدَتْ، وَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا فَأَسْقَطَتْ حِينَ خَرَجَتْ مُهَاجِرَةً إِلَى الْمَدِينَةِ وَرَوَّعَهَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ بِالرُّمْحِ وَاسْتَمَرَّ أَبُو الرَّبِيعِ عَلَى شِرْكِهِ إِلَى مَا قَبْلَ الْفَتْحِ، فَخَرَجَ تَاجِرًا إِلَى الشَّامِ فَأَخَذَتْ سَرِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ مَالَهُ وَأَعْجَزَهُمْ هَرَبًا ثُمَّ دَخَلَ بِلَيْلٍ عَلَى زَيْنَبَ فَأَجَارَتْهُ ثُمَّ كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّرِيَّةَ فَرَدُّوا مَالَهُ فَاحْتَمَلَ إِلَى مَكَّةَ فَأَدَّى الْوَدَائِعَ، وَمَا كَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَضَعُونَهُ مَعَهُ وَكَانَ رَجُلًا أَمِينًا كَرِيمًا فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ عَلَقَةٌ قَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخُذْهُ؟ قَالُوا: لَا فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ وَجَدْنَاكَ وَفِيًّا كَرِيمًا، قَالَ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ لَا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَاللَّهِ مَا مَنَعَنِي مِنَ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ إِلَّا تَخَوُّفٌ أَنْ تَظُنُّوا أَنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ آكُلَ أَمْوَالَكُمْ فَلَمَّا أَدَّاهَا اللَّهُ إِلَيْكُمْ وَفَرَغْتُ مِنْهَا أَسْلَمْتُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذُكِرَ فِي الرِّوَايَاتِ مِنْ قَوْلِهِمْ: وَذَلِكَ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ ثَلَاثِ سِنِينَ ; فَإِنَّمَا ذَاكَ مِنْ وَقْتٍ فَارَقَتْهُ بِالْأَبْدَانِ، وَذَلِكَ بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَأَمَّا الْبَيْنُونَةُ فَقَبْلَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ لِأَنَّهَا إِنْ وَقَعَتْ مِنْ حِينِ آمَنَتْ فَهِيَ قَرِيبٌ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً إِلَى إِسْلَامِهِ وَإِنْ وَقَعَتْ مِنْ حِينِ نَزَلَتْ {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: ٢٢١] وَهِيَ مَكِّيَّةٌ فَأَكْثَرُ مِنْ عُشْرِ هَذَا غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ حَابِسَهَا قَبْلَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ أُسِرَ فِيمَنْ أُسِرَ بِبَدْرٍ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَغْلُوبًا عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا أَرْسَلَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ الْأَسْرَى أَرْسَلَتْ زَيْنَبُ فِي فِدَائِهِ قِلَادَةً كَانَتْ خَدِيجَةُ أَعْطَتْهَا إِيَّاهَا فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهَا، فَرَدَّهَا عَلَيْهَا وَأَطْلَقَهُ لَهَا، فَلَمَّا وَصَلَ جَهَّزَهَا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>