بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحُقُوقِ
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٣٢٣٨ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسْرَتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(
بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحُقُوقِ) :
الْعِشْرَةُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنَ الْمُعَاشَرَةِ بِمَعْنَى الْمُخَالَطَةِ وَالْمُصَاحَبَةِ، قَالَ تَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: ١٩] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٢٨] .
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
٣٢٣٨ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: السِّينُ لِلطَّلَبِ أَيِ اطْلُبُوا الْوَصِيَّةَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فِي حَقِّهِنَّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة: ٨٩] فَنَقَلَ بَاءَ بِخَيْرٍ مِنْهُ إِلَى النِّسَاءِ، وَقَالَ الْقَاضِي: الِاسْتِيصَاءُ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ، وَالْمَعْنَى أُوصِيكُمْ بِهِنَّ خَيْرًا فَاقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ، اهـ. وَالْمَقْصُودُ الْمُدَارَةُ مَعَهُنَّ، وَقَطْعُ الطَّمَعِ عَنِ اسْتِقَامَتِهِنَّ، وَالثَّبَاتُ مَعَ اعْوِجَاجِهِنَّ، كَمَا قِيلَ الصَّبْرُ عَنْهُنَّ أَيْسَرُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَيْهِنَّ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِنَّ أَهْوَنُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى النَّارِ، قَالَ تَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ، {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [النساء: ٢٥] أَيْ عَلَيْهِنَّ أَوْ عَنْهُنَّ (فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ) : بِكَسْرِ الضَّادِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَاحِدُ الْأَضْلَاعِ وَهُوَ عَظْمٌ مُعْوَجٌّ اسْتُعِيرَ لِلْمُعْوَجِّ صُورَةً أَوْ مَعْنًى، أَيْ خُلِقْنَ خَلْقًا فِيهِ اعْوِجَاجٌ فَكَأَنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ أَصْلٍ مُعْوَجٍّ، وَقِيلَ: ذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهُنَّ أَوَّلَ النِّسَاءِ وَهِيَ حَوَّاءُ خُلِقَتْ مِنْ أَعْوَجِ ضِلَعٍ مِنْ أَضْلَاعِ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ الضِّلَعُ الْأَعْلَى، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغَيِّرَهُنَّ مِمَّا جُبِلَتْ عَلَيْهِ أُمُّهُنَّ، فَلَا يَتَهَيَّأُ الِانْتِفَاعُ بِهِنَّ إِلَّا بِمُدَارَاتِهِنَّ وَالصَّبْرِ عَلَى اعْوِجَاجِهِنَّ فِيمَا لَا إِثْمَ فِي مُعَاشَرَتِهِنَّ. (وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ) : إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أُمَّهُنَّ خُلِقَتْ مِنْهُ. (فَإِنْ ذَهَبْتَ) : أَيْ: شَرَعْتَ وَأَرَدْتَ (تُقِيمُهُ) : أَيْ: إِقَامَتَهُ وَاسْتِقَامَتَهُ (كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرْكْتَهُ) : أَيْ: مِنْ غَيْرِ كَسْرٍ (لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ) : كُرِّرَ لِلْمُبَالَغَةِ، وَإِشَارَةً إِلَى النَّتِيجَةِ وَالْفَذْلَكَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الرِّفْقِ بِالنِّسَاءِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِنَّ وَالصَّبْرِ عَلَى عِوَجِ أَخْلَاقِهِنَّ وَاحْتِمَالِ ضَعْفِ عُقُولِهِنَّ وَكَرَاهَةِ طَلَاقِهِنَّ بِلَا سَبَبٍ، وَأَنَّهُ لَا مَطْمَعَ فِي اسْتِقَامَتِهِنَّ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute