٣٢٩٨ - وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُمْ يَقُولُ: يُوقَفُ الْمُؤْلِي. رَوَاهُ فِي (شَرْحِ السُّنَّةِ) .
ــ
٣٢٩٨ - (وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) : هُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ (قَالَ: أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ) : أَيْ: رَجُلًا أَوْ شَخْصًا (مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهُمْ يَقُولُ) : أَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِلَفْظِ الْكُلِّ (يُوقَفُ الْمُؤْلِي) : بِهَمْزٍ وَيُبَدَلُ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْإِيلَاءِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الْإِيلَاءُ: هُوَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يَقْرَبَ امْرَأَتَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ: فَذَهَبَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُضِيِّهَا، بَلْ يُوقَفُ فِيمَا أَنْ يَفِيءَ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ [أَوْ يُطَلِّقَ] ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ طَلَّقَهَا وَإِلَّا طَلَّقَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَاحِدَةً. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْوَقْفِ فَلَا يَكُونُ مُولِيًا ; لِأَنَّ الْوَقْفَ يَكُونُ فِي حَالِ بَقَاءِ الْيَمِينِ، وَقَدِ ارْتَفَعَتْ هَاهُنَا بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَمَّا إِذَا حَلَفَ عَلَى أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ بَلْ هُوَ حَالِفٌ.
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: ذَهَبَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَبَعْضُ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُولِيَ عَنِ امْرَأَتِهِ إِذَا مَضَى عَلَيْهِ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ - وَهِيَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ - وُقِفَ، فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ، وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ، وَإِنْ أَبَى طَلَّقَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، وَذَلِكَ شَيْءٌ اسْتَنْبَطُوهُ مِنَ الْآيَةِ رَأْيًا وَاجْتِهَادًا، وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَقَالُوا: الْإِيلَاءُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَإِذَا انْقَضَتْ بَانَتْ مِنْهُ بِتَطْلِيقَةٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْآيَةُ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - جَلَّ جَلَالُهُ {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢٢٦] فَإِنْ فَاءُوا يَعْنِي فِي الْأَشْهُرِ، وَفِي حَرْفِ مَسْعُودٍ: (فَإِنْ فَاءُوا فِيهِنَّ) ، وَالتَّرَبُّصُ: الِانْتِظَارُ أَيْ يَنْتَظِرُ بِهِمْ إِلَى مُضِيِّ الْأَشْهُرِ تِلْكَ {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٢٧] أَيْ: عَزَمُوا الطَّلَاقَ بِتَرَبُّصِهِمْ إِلَى مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَتَرْكِهِمُ الْفَيْئَةَ، وَتَأْوِيلُهُ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ يُوقِفُ: فَإِنْ فَاءُوا وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ اهـ.
وَتَعَقَّبَهُ الطِّيبِيُّ بِأَنَّ الْفَاءَ فِي {فَإِنْ فَاءُوا} [البقرة: ٢٢٦] لِلتَّعْقِيبِ، وَأَجَابَ عَنْهُ قَبْلَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ بِأَنَّهُ لِلتَّفْصِيلِ، وَهَذَا مُجْمَلُ مَا فِيهِمَا مِنَ التَّطْوِيلِ، وَسَيَأْتِي لِهَذَا تَذْيِيلٌ لِلتَّكْمِيلِ. (رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ) . وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، كَذَا نَقْلَهُ مِيرَكُ عَنِ التَّصْحِيحِ.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا بِمَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنِ امْرَأَتِهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، فَإِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى يُطْلِّقَ أَوْ يَفِيءَ، وَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِسَنَدِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْإِيلَاءِ الَّذِي سَمَّى اللَّهُ - تَعَالَى - لَا يُحِلُّ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَجَلِ إِلَّا أَنْ يُمْسِكَ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يَعْزِمَ الطَّلَاقَ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ، تَعَالَى، وَقَالَ - أَيِ الْبُخَارِيُّ -: قَالَ لِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَوْسٍ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى يُطْلِّقَ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يُطْلِّقَ اهـ.
قُلْنَا الْآثَارُ مُعَارَضَةٌ بِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَا يَقُولَانِ فِي الْإِيلَاءِ: إِذَا انْقَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ. وَبِمَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلِّيًا وَابْنَ مَسْعُودٍ وَابْنَ عَبَّاسٍ قَالُوا: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ، فَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ. وَبِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا: إِذَا آلَى وَلَمْ يَفِئْ حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ. وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: بِأَنَّ أَصَحَّ الْحَدِيثِ مَا رُوِيَ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ، ثُمَّ كَانَ عَلَى شَرْطِهِمَا إِلَى آخِرِ مَا عُرِفَ، وَقَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ تَحَكُّمٌ مَحْضٌ، وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute