للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٣٣٠٤ - عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: تَقَدَّمَ أَنَّ اسْمَهُ كَانَ حَزْنًا، فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْلًا (قَالَ: إِنَّ عُوَيْمِرًا) : تَصْغِيرُ عَامِرٍ (الْعَجْلَانِيَّ) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ نِسْبَةٌ إِلَى عَجْلَانِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ (قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ) : أَيْ: أَخْبِرْنِي، وَعَبَّرَ بِالْإِبْصَارِ عَنِ الْإِخْبَارِ ; لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ سَبَبُ الْعِلْمِ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْإِعْلَامُ فَالْمَعْنَى: أَعَلِمْتَ فَأَعْلِمْنِي. (رَجُلًا وَجَدَ) : أَيْ: صَادَفَ (مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا) : أَيْ: وَجَزَمَ أَنَّهُ زَنَى بِهَا (أَيَقْتُلُهُ) : أَيْ: أَيَجُوزُ قَتْلُهُ (فَيَقْتُلُونَهُ) : بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ أَيْ: يَقْتُلُ أَهْلُ الْقَتِيلِ ذَلِكَ الرَّجُلَ الْقَاتِلَ؟ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ: (فَتَقْتُلُونَهُ) : بِتَاءِ الْخِطَابِ. قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: الْخِطَابُ لِمُحَمَّدٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، اهـ. وَيَعْنِي بِهِ تَعْظِيمًا. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: اخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَتَلَ رَجُلًا قَدْ جَزَمَ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ: يُقْتَلُ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً أَوْ يَعْتَرِفَ لَهُ وَرَثَةُ الْقَتِيلِ، وَيَكُونُ الْقَتِيلُ مُحْصَنًا، وَالْبَيِّنَةُ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْعُدُولِ مِنَ الرِّجَالِ يَشْهَدُونَ عَلَى يَقِينِ الزِّنَا، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ) : قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (أَمْ) : يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً، يَعْنِي إِذَا رَأَى الرَّجُلُ هَذَا الْمُنْكَرَ وَالْأَمْرَ الْفَظِيعَ وَثَارَتْ عَلَيْهِ الْحَمِيَّةُ، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ يَصْبِرُ عَلَى ذَلِكَ الشَّنَآنِ وَالْعَارِ؟ وَأَنْ تَكُونَ مُنْقَطِعَةً، فَسَأَلَ أَوَّلًا عَنِ الْقَتْلِ مَعَ الْقِصَاصِ، ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْهُ إِلَى سُؤَالِهِ؛ لِأَنَّ (أَمْ) : الْمُنْقَطِعَةَ مُتَضَمِّنَةٌ لِـ (بَلْ) : وَالْهَمْزُ قِيلَ لِضَرْبِ الْكَلَامِ السَّابِقِ، وَالْهَمْزَةُ تَسْتَأْنِفُ كَلَامًا آخَرَ، وَالْمَعْنَى: كَيْفَ يَفْعَلُ أَيْ: أَيَصْبِرُ عَلَى الْعَارِ أَمْ يَحْدُثُ لَهُ أَمْرٌ آخَرُ؟ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَقَدْ أُنْزِلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ) : وَالْمُنَزَّلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: ٦] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ. قِيلَ: نَزَلَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: ظَاهِرُهُ أَنَّ آيَةَ اللِّعَانِ نَزَلَتْ فِي عُوَيْمِرٍ، وَأَنَّهُ أَوَّلُ لِعَانٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَأَنَّهُ أَوَّلُ رَجُلٍ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ أُنْزِلَ فِيكَ أَيْ: فِي شَأْنِكَ، لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ شَامِلٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِمَا جَمِيعًا، فَلَعَلَّهُمَا سَأَلَا فِي وَقْتَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ فَنَزَلَتْ فِيهِمَا، وَسَبَقَ هِلَالٌ بِاللِّعَانِ. (فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا) . قَالَ سَهْلٌ: فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمَا فَرَغَا) : أَيْ: عَنِ التَّلَاعُنِ (قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ) : بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ، كَذَا ضَبَطَهُ ابْنُ الْهُمَامِ. (عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا) : أَيْ: فِي نِكَاحِي، وَهُوَ كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ (فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا) : كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ مُنْقَطِعٌ عَمَّا قَبْلَهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ فِي أَنَّهُ لَا يُمْسِكُهَا، وَفِي رِوَايَةٍ: (فَطَلَّقَهَا عُوَيْمِرٌ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتِ الْفُرْقَةُ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ: فَطَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ، فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مَا صُنِعَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّتَهُ. قَالَ سَهْلٌ: حَضَرْتُ هَذَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَضَتِ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: عُوَيْمِرٌ حِينَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا كَانَ جَاهِلًا بِأَنَّ اللِّعَانَ فُرْقَةٌ عَلَيْهِ، وَظَنَّ أَنَّ اللِّعَانَ لَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ، فَأَرَادَ تَحْرِيمَهَا بِالطَّلَاقِ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ جَمْعَ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لَيْسَ بِحَرَامٍ ; لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفِ الطَّلَاقَ مَحَلًّا مَمْلُوكًا لَهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ: إِنَّمَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بَعْدَ اللِّعَانِ ; لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إِظْهَارُ الطَّلَاقِ مَعَ أَنَّهُ حَصَلَتِ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>