( «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَبْصِرُوهَا» ) : أَمْرٌ مِنَ الْإِبْصَارِ أَيِ: انْظُرُوا وَتَأَمَّلُوا فِيمَا تَأْتِي بِهِ مِنْ وَلَدِهَا (فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ) : أَيِ: الَّذِي يَعْلُو جُفُونَ عَيْنَيْهِ سَوَادٌ مِثْلُ الْكُحْلِ مِنْ غَيْرِ اكْتِحَالٍ (سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ) : أَيْ: عَظِيمَهُمَا، مِنَ السُّبُوغِ بِالْمُوَحَّدَةِ، يُقَالُ لِلشَّيْءِ إِذَا كَانَ تَامًّا وَافِيًا وَافِرًا: سَابِغٌ (خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ) : أَيْ: سَمِينَهُمَا (فَهُوَ) : أَيْ: ذَلِكَ الْوَلَدُ (لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ) : أَيْ: فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ لِظُهُورِ الشَّبَهِ (فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ) : قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَفِي إِتْيَانِ الْوَلَدِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - هُنَا وَفِي قِصَّةِ عُوَيْمِرٍ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، مَعَ جَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ - مُعْجِزَةٌ وَإِخْبَارٌ بِالْغَيْبِ. ( «فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ» ) : (مِنْ) : بَيَانٌ لِـ (مَا) :، أَيْ: لَوْلَا مَا سَبَقَ مِنْ حُكْمِهِ بِدَرْءِ الْحَدِّ عَنِ الْمَرْأَةِ بِلِعَانِهَا (لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ) : أَيْ: فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا، أَوِ الْمَعْنَى: لَوْلَا أَنَّ الْقُرْآنَ حَكَمَ بِعَدَمِ الْحَدِّ عَلَى الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَعَدَمِ - التَّعْزِيرِ لَفَعَلْتُ بِهَا مَا يَكُونُ عِبْرَةً لِلنَّاظِرِينَ وَتَذْكِرَةً لِلسَّامِعِينَ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِي ذِكْرِ الشَّأْنِ وَتَنْكِيرِهِ تَهْوِيلٌ وَتَفْخِيمٌ لِمَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَ بِهَا لِتُضَاعِفِ ذَنْبِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى الْمَظِنَّةِ وَالْأَمَارَاتِ، وَإِنَّمَا يَحْكُمُ بِظَاهِرِ مَا تَقْتَضِيهِ الْحُجَجُ وَالْأَيْمَانُ، وَأَنَّ لِعَانَ الرَّجُلِ مُقَدَّمٌ عَلَى لِعَانِ الْمَرْأَةِ ; لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ، وَهَذَا دَارِئٌ، وَالدَّرْءُ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْحَدِيثُ فِي الْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ، يَخْتَلِفُ أَلْفَاظُهُمَا، وَيَتَّفِقُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «جَاءَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ مِنْ أَرْضِهِ عَشَاءً فَوَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ رَجُلًا، فَرَأَى ذَلِكَ بِعَيْنِهِ وَسَمِعَ بِأُذُنِهِ، فَلَمْ يَهْجُرْ حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُ أَهْلِي عَشَاءً فَوَجَدْتُ عِنْدَهَا رَجُلًا فَرَأَيْتُ بِعَيْنِي وَسَمِعْتُ بِأُذُنِي فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا جَاءَ بِهِ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ فَنَزَلَتْ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: ٦] الْآيَةَ فَسَرَّنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (أَبْشِرْ يَا هِلَالُ! فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا) : قَالَ هِلَالٌ: كُنْتُ أَرْجُو ذَلِكَ مِنْ رَبِّي - تَعَالَى - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أَرْسِلُوا إِلَيْهَا ": فَجَاءَتْ، فَتَلَا عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَّرَهُمَا وَأَخْبَرَهُمَا أَنَّ عَذَابَ الْآخِرَةِ أَشَدُّ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا، فَقَالَ هِلَالٌ: وَاللَّهُ لَقَدْ صَدَقْتُ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: كَذَبْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَاعِنُوا بَيْنَهُمَا " فَشَهِدَ هِلَالٌ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ أَنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، فَلَمَّا كَانَ الْخَامِسَةُ قِيلَ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَأَنَّ هَذِهِ هِيَ الْمُوجِبَةُ الَّتِي [تُوجِبُ عَلَيْهَا الْعِقَابَ] ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يُعَذِّبُنِي اللَّهُ عَلَيْهَا، فَشَهِدَ الْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: اشْهَدِي فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، فَلَمَّا كَانَتِ الْخَامِسَةُ قِيلَ لَهَا: اتَّقِي اللَّهَ، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْمُوجِبَةَ الَّتِي تُوجِبُ الْعِقَابَ فَتَلَكَّأَتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أَفْضَحُ قَوْمِي، فَشَهِدَتِ الْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا، وَقَضَى أَنْ لَا يُدْعَى وَلَدُهَا إِلَى الْأَبِ [وَلَا تُرْمَى] وَلَا يُرْمَى وَلَدُهَا وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا - فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَقَضَى أَنْ لَا يَثْبُتَ لَهَا عَلَيْهِ قُوتٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مُتَوَفًّى عَنْهَا، ثُمَّ قَالَ: " إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَصْهَبَ نَضَحَ نَاتِئَ الْأَلْيَتَيْنِ خَمْشَ السَّاقِينَ فَهُوَ لِهِلَالٍ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ، فَهُوَ لِلَّذِي زَنَتْ بِهِ ":، فَجَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ إِلَى آخَرِ الْأَوْصَافِ التَّالِيَةِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ) » . قَالَ عِكْرِمَةُ: وَكَانَ وَلَدُهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ، وَمَا يُدْعَى لِأَبٍ. هَذِهِ لَفْظَةٌ لِأَبِي دَاوُدَ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: سَائِرَ الْأَيَّامِ لَا أَفْضَحُ قَوْمِي.
وَفِي مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، وَكَانَ أَخَا الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: (انْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبْطًا وَضِيءَ الْعَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا خَمْشَ السَّاقِينَ فَهُوَ لِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ) » . وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ أَيْضًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute