للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٣٠٩ - وَعَنِ الْمُغِيرَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفِحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُنْذِرِينَ وَالْمُبَشِّرِينَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

٣٣٠٩ - (وَعَنِ الْمُغِيرَةَ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: «لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفِحٍ» ) : بِكَسْرِ الْفَاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهَا. قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ: غَيْرَ ضَارِبٍ بِصَفْحِ السَّيْفِ وَهُوَ جَانِبُهُ بَلْ بِحَدِّهِ اهـ. وَفِي نُسْخَةٍ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ، فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ عِيَاضٌ: هُوَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ. قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضًا بِفَتْحِ الْفَاءِ، فَمَنْ فَتَحَ جَعَلَهُ وَصْفًا لِلسَّيْفِ حَالًا مِنْهُ، وَمَنْ كَسَرَ جَعَلَهُ وَصْفًا لِلضَّارِبِ وَحَالًا عَنْهُ، وَزَعَمَ ابْنُ التِّينِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي سَائِرِ الْأُمَّهَاتِ تَشْدِيدُ الْفَاءِ، وَهُوَ مِنْ صَفْحِ السَّيْفِ أَيْ: عَرْضُهُ وَحَدُّهُ (فَبَلَغَ ذَلِكَ) : أَيْ: وَصَلَ قَوْلُهُ (رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ) : أَيْ: لِأَصْحَابِهِ (أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟) أَيْ: كَمَالِهَا (وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي) بِرَفْعِ الْجَلَالَةِ عَطْفٌ عَلَى الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: (لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ) : (وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ الْفَوَاحِشَ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِغَيْرَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِمَعْنَى أَنَّهُ مَنَعَ النَّاسَ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ وَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْعُقُوبَاتِ إِذِ الْغَيْرَةُ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكْرَهَ وَيَغْضَبَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَصَرَّفَ غَيْرُهُ فِي مِلْكِهِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ النَّاسِ أَنْ يَغْضَبَ الرَّجُلُ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِامْرَأَتِهِ، أَوْ نَظَرَ إِلَيْهَا، فَفِي حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - أَنْ يَغْضَبَ عَلَى مَنْ فَعَلَ مِنْهُمَا. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمَّا غَارَ عَلَى عِبَادِهِ وَإِمَائِهِ الْفَوَاحِشَ شَرَّعَ تَحْرِيمَهَا، وَرَتَّبَ عَلَى مُرْتَكِبِهَا الْعِقَابَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ; لِيَنْزَجِرُوا عَنْهَا. (مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) : أَيْ: مَا أَعْلَنَ مِنْهَا وَمَا أَسَرَّ، وَقِيلَ مَا عَمِلَ وَمَا نَوَى، وَقِيلَ ظَاهِرُهَا الزِّنَى فِي الْحَوَانِيتِ، وَبَاطِنُهَا الصَّدِيقَةُ فِي السِّرِّ. (وَلَا أَحَدَ) بِالْفَتْحِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ وَقَوْلُهُ: (أَحَبُّ إِلَيْهِ) بِالرَّفْعِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: يَجُوزُ فِي " أَحَدَ " الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ فِي قَوْلِهِ: (لَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ) : قَوْلُهُ: " أَغْيَرُ " بِالرَّفْعِ وَهُوَ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنَ الْغَيْرَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةَ " أَحَدَ "، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (إِلَّا) : هُنَا بِمَعْنَى لَيْسَ، وَقَدْ ذُكِرَ الِاسْمُ وَالْخَبَرُ مَعَهَا، وَكَأَنَّ النَّحْوِيِّينَ غَفَلُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ حَيْثُ اكْتَفَوْا بِقَوْلِهِ:

أَنَا ابْنِ قَيْسٍ لَا بَرَاحَ

وَقَوْلُهُ: (الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ) : فَاعِلٌ لِأَحَبَّ، وَالْمَسْأَلَةُ كُحْلِيَّةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْعُذْرُ هُنَا بِمَعْنَى الْإِعْذَارُ أَيْ: إِزَالَةُ الْعُذْرِ (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ) : أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ مَحَبَّةِ الْعُذْرِ (بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ) : يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ ; لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْهِ حُجَّةٌ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥] ( «وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ» ) : بِكَسْرِ الْمِيمِ بِمَعْنَى الْمَدْحِ (مِنَ اللَّهِ) وَلِذَا مَدَحَ نَفْسَهُ وَمَدَحَ أَوْلِيَاءَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَعْنَاهُ أَنَّهُ - تَعَالَى - لَمَّا وَعَدَهَا وَرَكِبَ فِيهَا كَثُرَ سُؤَالُ الْعِبَادِ إِيَّاهَا مِنْهُ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ، وَقَالَ لِبَعْضِهِمُ: اعْلَمْ أَنَّ الْحُبَّ فِينَا وَالْغَضَبَ وَالْفَرَحَ وَالْحُزْنَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ - عِبَارَةٌ عَنْ تَغَيُّرِ الْقَلْبِ، وَيُرِيدُ وَاحِدٌ مِنَّا بِأَنْ يَمْدَحَهُ أَحَدٌ، وَرُبَّمَا يَنْقُصُ قَدْرُهُ بِتَرْكِ الْمَدْحِ، وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقَاتِ، بَلِ الْحُبُّ فِيهِ مَعْنَاهُ الرِّضَا بِالشَّيْءِ، وَإِيصَالُ الرَّحْمَةِ وَالْخَيْرِ إِلَى مَنْ أَحَبَّهُ، وَالْغَضَبُ إِيصَالُ الْعَذَابِ إِلَى مَنْ غَضِبَ عَلَيْهِ. (وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ) : أَيْ: كَوْنِ الْمَدْحِ مَحْبُوبًا لَهُ (وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ) أَيْ: لِمَنْ مَدَحَهُ وَأَطَاعَهُ، وَلِهَذَا كَانَ {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: ١٠] (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: (لَا شَيْءَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى) : جَلَّ عَظِيمُ الشَّأْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>