للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٣٠٨ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ وَجَدْتُ مَعَ أَهْلِي رَجُلًا لَمْ أَمَسَّهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ: " نَعَمْ ". قَالَ: كَلَّا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ كُنْتُ لَأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ، إِنَّهُ لَغَيُورٌ، وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

٣٣٠٨ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ وَجَدْتُ) : أَيْ: صَادَفْتُ (مَعَ أَهْلِي رَجُلًا: أَيْ أَجْنَبِيًّا (لَمْ أَمَسَّهُ) : بِحَذْفِ الِاسْتِفْهَامِ الِاسْتِبْعَادِيِّ أَيْ: لَمْ أَضْرِبْهُ وَلَمْ أَقْتُلْهُ (حَتَّى آتِيَ) : بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ، أَيْ: حَتَّى أَجِيءَ (بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟) قَالَ: (نَعَمْ) : (قَالَ) : أَيْ: سَعْدٌ (كَلَّا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ كُنْتُ لَأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ) : أَيْ: مِنْ غَيْرِ إِتْيَانٍ، وَإِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ، وَاللَّامُ هِيَ الْفَارِقَةُ، وَضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ، وَفِي الْكَلَامِ تَأْكِيدٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: لَيْسَ قَوْلُهُ " كَلَّا " رَدًّا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُخَالَفَةً لِأَمْرِهِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ حَالَةِ نَفْسِهِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ الرَّجُلَ مَعَ امْرَأَتِهِ، وَاسْتِيلَاءِ الْغَضَبِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ) عَدَّى السَّمْعَ بِـ (إِلَى) : لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْإِصْغَاءِ أَيِ: اسْتَمِعُوا إِلَى مَا يَذْكُرُ (سَيِّدُكُمْ) قَالَ مِيرَكُ: كَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَنَقَلَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ: سَيِّدُنَا، ثُمَّ قَالَ: وَإِضَافَتُهُ لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إِمَّا أَنَّهُ يُضَافُ إِلَى مَنْ سَادَهُ وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ هَاهُنَا، وَإِمَّا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ السَّيِّدُ عِنْدَنَا، وَالْمَشْهُودُ لَهُ بِالسِّيَادَةِ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، أَوِ الَّذِي سَيِّدْنَاهُ عَلَى قَوْمِهِ كَمَا يَقُولُ السُّلْطَانُ: فُلَانٌ أَمِيرُنَا. قَالَ: وَرُوِيَ: " إِلَى سَيِّدِكُمْ " قَالَ: وَالسَّيِّدُ فَعِّلٌ مَنْ سَادَ يَسُودُ قُلِبَتْ وَاوُهُ يَاءً لِمُوَافَقَتِهَا الْيَاءَ وَسَبْقِهَا بِالسُّكُونِ، وَقَوْلُ أُمِّ الدَّرْدَاءِ: حَدَّثَنِي سَيِّدِي أَبُو الدَّرْدَاءَ، أَرَادَتْ مَعْنَى السِّيَادَةِ تَعْظِيمًا لَهُ أَوْ أَرَادَتْ مِلْكَ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف: ٢٥] (إِنَّهُ لَغَيُورٌ) فِيهِ اعْتِذَارٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَعْدٍ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ سَعْدٌ قَالَهُ لِغَيْرَتِهِ، وَفِي ذِكْرِ السَّيِّدِ هُنَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْغَيْرَةَ مِنْ شِيمَةِ كِرَامِ النَّاسِ وَسَادَاتِهِمْ، وَلِذَا أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: (وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي) قَالَ الْمُظْهِرُ: يُشْبِهُ أَنَّ مُرَاجَعَةَ سَعْدٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ طَمَعًا فِي الرُّخْصَةِ لَا رَدًّا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا أَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَكَتَ وَانْقَادَ، وَفِي النِّهَايَةِ: الْغَيْرَةُ: الْحَمِيَّةُ وَالْأَنَفَةُ، وَغَيُورٌ بِنَاءُ مُبَالَغَةٍ كَشَكُورٍ وَكَفُورٍ، وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الْغَيْرَةُ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - الزَّجْرُ، وَاللَّهُ غَيُورٌ أَيْ: زَجُورٌ يَزْجُرُ عَنِ الْمَعَاصِي ; لِأَنَّ الْغَيْرَةَ تَغَيُّرٌ يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَا يَكْرَهُهُ عَلَى الْأَهْلِ، وَهُوَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>