قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ اسْتُدِلَّ عَلَى صِحَّةِ الْقِيَافَةِ بِحَدِيثِ اللِّعَانِ حَيْثُ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهِ: ( «إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَصْهَبَ أَسْحَمَ خَمْشَ السَّاقِيْنِ فَهُوَ لِزَوْجِهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَوْرَقَ جَعْدًا جُمَالِيًّا خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ سَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ» ) : وَهَذِهِ هِيَ الْقِيَافَةُ وَالْحُكْمُ بِالشَّبَهِ، وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ لَا الْقِيَافَةِ، وَقَدْ يُقَالُ: الظَّاهِرُ عِنْدَ إِرَادَةِ تَعْرِيفِهِ أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ ابْنُ فُلَانٍ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَنْقَلِبُ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْقِيَافَةُ مُعْتَبَرَةً لَكَانَ شَرْعِيَّةُ اللِّعَانِ تَخْتَصُّ بِمَا إِذَا لَمْ يُشْبِهِ الْمَزْنِيُّ بِهِ شَبَهَ الزَّوْجِ أَوْ لَا لِحُصُولِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ حِينَئِذٍ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ ابْنًا لِلنَّافِي، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحُكْمِ بِكَذِبِهِمَا فِي نَسَبِ الْوَلَدِ، وَأُجِيبُ أَيْضًا: بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حَقِّيَّةِ قِيَافَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقِّيَّةُ قِيَافَةِ غَيْرِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْقِيَافَةَ لَيْسَتْ إِلَّا بِاعْتِبَارِ أُمُورٍ ظَاهِرَةٍ يَسْتَوِي النَّاسُ فِي مَعْرِفَتِهَا، ثُمَّ إِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سُرَّ بِفِعْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ إِلْحَاقُهُ بِالْقُرْعَةِ، وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَطَرِيقُهُ صَحِيحَةٌ، لِتَقْرِيرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إِيَّاهُ، بَلْ سُرَّ بِهِ ; لِأَنَّ الضَّحِكَ دَلِيلُهُ مَعَ عَدَمِ الْإِنْكَارِ، وَإِذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ يَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بِنَسْخِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَبْقَى مَا ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ مِنَ الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْقَافَةِ، فَإِنَّهُ مِنَ الْقُوَّةِ بِكَثْرَةِ الطُّرُقِ بِحَيْثُ لَا يُعَارِضُهُ الْمَرْوِيُّ عَنْهُ مِنْ قِصَّةِ شُرَيْحٍ لِخَفَائِهَا وَعَدَمِ تَبَيُّنِهَا، وَإِنْ كَانَتْ قِصَّةً مُرْسَلَةً، فَإِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلٌ، وَكَذَا عُرْوَةُ عَنْهُ، وَهُمَا إِمَامَانِ لَا يَرْوِيَانِ إِلَّا عَنْ قَوِيٍّ مَعَ حُجِّيَّةِ الْمُرْسَلِ عِنْدَنَا، فَكَيْفَ بِهِ مِنْ هَذَيْنِ؟ عَلَى أَنَّ قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: " نَعَمْ "، فِي إِسْنَادِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رُبَّمَا يَكُونُ كَالْمُوَصَّلِ بِعُمَرَ ; لِأَنَّ سَعِيدًا رَوَى عَنْ عُمَرَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا خِلَافَ فِي ثُبُوتِ هَذَا، وَإِذَا ثَبَتَ عَمَلُ عُمَرَ بِالْقِيَافَةِ لَزِمَ أَنَّ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ فِي سُرُورِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ هُوَ كَوْنُ الْحِقْبَةِ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِهِ ثَابِتٌ، وَالشَّافِعِيُّ لَمَّا لَمْ يَقُلْ بِنِسْبَةِ الْوَلَدِ إِلَى اثْنَيْنِ يَلْزَمُهُ اعْتِقَادُ أَنَّ فِعْلَ عُمَرَ كَانَ عَنْ رَأْيِهِ لَا بِقَوْلِ الْقَافَةِ، فَيَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنَ اثْنَيْنِ إِذْ حَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ مَلْزُومٌ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: إِمَّا سُرُورُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا إِلَّا بِرَدِّ طَعْنِهِمْ، أَوْ ثُبُوتُ نَسَبِهِ، وَبِهِ نَقُولُ، إِلَّا أَنَّا نَقُولُ: إِنَّهُ مِنْ مَائِهِمَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، لِأَنَّ الْمَاءَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي الرَّحِمِ إِلَّا مُتَعَاقِبَيْنِ، فَإِذَا فُرِضَ أَنَّهُ خُلِقَ مِنَ الْأَوَّلِ لَمْ يُتَصَوَّرْ خَلْقُهُ مِنَ الثَّانِي، بَلْ إِنَّهُ يَزِيدُ الْأَوَّلَ فِي سَمْعِهِ قُوَّةً وَفِي بَصَرِهِ وَأَعْضَائِهِ، وَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ يَنْسَدُّ فَمُ الرَّحِمِ فَقَاصِرٌ عَلَى قَوْلِنَا: إِنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ، فَأَمَّا مَنْ يَقُولُ [لَا] تَحِيضُ لَا يُمْكِنُهُ الْقَوْلُ بِالِانْسِدَادِ، فَيَثْبُتُ النَّسَبُ مَعَ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ فِي نَفْيِ الْأَمْرِ مِنْ مَاءِ أَحَدِهِمَا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . وَرَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute