أَلْحَقُوا بِهِمَا، وَقَدْ ثَبَتَ الْعَمَلُ بِالشَّبَهِ بِقَوْلِ الْقَائِفِ حَيْثُ سُرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا أَخْرَجَ السِّتَّةَ فِي كُتُبِهِمْ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ مَسْرُورًا فَقَالَ: " يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَيْ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدٌ وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ وَقَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: هَذِهِ الْأَقْدَامُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» ". وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَكَانَ أُسَامَةُ أَسْوَدَ، وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ.
قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَلَنَا كِتَابُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إِلَى شُرَيْحٍ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ ذُكِرَ أَنَّ شُرَيْحًا كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي جَارِيَةٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ جَاءَتْ بِوَلَدٍ، فَادَّعَيَاهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنَّهُمَا لَبَّسَا فَلُبِّسَ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ بَيَّنَا لَبُيِّنَ لَهُمَا هُوَ ابْنُهُمَا يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ، وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نُكْرٍ، فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِذَلِكَ، وَالْمَعْرُوفُ فِي قِصَّةِ عُمَرَ هُوَ مَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عُمَرَ فِي امْرَأَةٍ وَطِئَهَا رَجُلَانِ فِي طُهْرٍ، فَقَالَ الْقَائِفُ: قَدِ اشْتَرَكَا فِيهِ جَمِيعًا فَجَعَلَهُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: وَعَلِيٌّ يَقُولُ هُوَ ابْنُهُمَا وَهُمَا أَبَوَاهُ يَرِثَانِهِ وَيَرِثُهُمَا، وَذَكَرَهُ سَعِيدٌ أَيْضًا. وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي طُهْرِ امْرَأَةٍ، أَوْ وَطِئَهَا رَجُلَانِ فِي طُهْرٍ، فَقَالَ الْقَائِفُ: قَدِ اشْتَرَكَا فِيهِ جَمِيعًا، فَحَمَلَتْ فَوَلَدَتْ غُلَامًا يُشْبِهُهُمَا، فَرَفَعَا ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ فَدَعَا الْقَافَةَ فَنَظَرُوهُ فَقَالُوا: نَرَاهُ يُشْبِهُهُمَا فَأَلْحَقَهُ بِهِمَا وَجَعَلَهُ يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا وَلَدًا، فَدَعَا عُمَرُ الْقَافَةَ وَاقْتَدَى فِي ذَلِكَ بِبَصَرِ الْقَافَةِ، وَأَلْحَقَهُ بِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بَعْدَ ذَلِكَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَمَّا دَعَا عُمَرُ الْقَافَةَ فَرَأَوْا شَبَهَهُ فِيهِمَا، وَرَأَى عُمَرُ مِثْلَ مَا رَأَتِ الْقَافَةُ قَالَ: قَدْ كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّ الْكَلْبَةَ لَا تَلِدُ إِلَّا كَلْبًا، فَيَكُونُ كُلُّ جُرْوٍ لِأَبِيهِ، وَمَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ مَاءَيْنِ يَجْتَمِعَانِ فِي وَلَدٍ وَاحِدٍ، وَأَسْنَدَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: رَأَى الْقَافَةُ وَعُمَرُ جَمِيعًا شَبَهَهُ فِيهِمَا فَقَالَ: هُوَ بَيْنَكُمَا يَرِثُكُمَا وَتَرِثَانِهِ. قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ الْمُسَيَّبِ، فَقَالَ: نَعَمْ هُوَ الْآخَرُ مِنْهُمَا.
قَالَ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفُ: - يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ - وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلَ ذَلِكَ يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ مَوْلًى مَخْزُومِيٍّ قَالَ: وَقَعَ رَجُلَانِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَعَلَّقَتِ الْجَارِيَةُ، فَلَمْ يَدْرِ مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ فَأَتَيَا عَلِيًّا، فَقَالَ: هُوَ بَيْنَكُمَا يَرِثُكُمَا وَتَرِثَانِهِ، وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْكُمَا.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: أَتَاهُ رَجُلَانِ وَقَعَا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٌ، فَقَالَ: الْوَلَدُ بَيْنَكُمَا وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْكُمَا. وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ: يَرْوِيهِ سِمَاكٌ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ لَمْ يُسَمِّهِ، وَعَنْ قَابُوسَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا بِخِلَافِ ذَلِكَ، ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ صَالِحٍ الْهَمَذَانِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدٍ خَيْرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: «أُتِيَ عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - وَهُوَ بِالْيَمَنِ بِثَلَاثَةٍ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلَ اثْنَيْنِ أَتُقِرَّانِ بِهَذَا الْوَلَدِ؟ قَالَا: لَا، حَتَّى سَأَلَهُمْ جَمِيعًا، فَجَعَلَ كُلَّمَا سَأَلَ اثْنَيْنِ قَالَا: لَا، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالَّذِي صَارَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ ثُلُثَيِ الدِّيَةِ. قَالَ: فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ» . وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ رَوَاهُ أَيْضًا مَوْقُوفًا وَكَذَا النَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ أَجْوَدَ مِنْ إِسْنَادِ الْمَرْفُوعِ، وَكَذَا رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَالَ فِيهِ: فَأَغْرَمَهُ ثُلُثَيْ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ لِصَاحِبَيْهِ، وَهُوَ حَسَنٌ، بُيِّنَ الْمُرَادُ بِالدِّيَةِ فِيمَا قَبْلَهُ، وَحَاصِلُ مَا تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُرَّ بِقَوْلِ الْقَافَةِ، وَأَنَّ عُمَرَ قَضَى عَلَى وَفْقِ قَوْلِهِمْ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُنْكِرْ إِثْبَاتَ عَلِيٍّ النَّسَبَ بِالْقُرْعَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُعَوِّلَ عَلَى مَا يُنْسَبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ هُوَ سُرُورُهُ بِقَوْلِ الْقَافَةِ، فَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ - أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ - عَنْهُ بِأَنَّ سُرُورَهُ كَانَ لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَطْعُنُونَ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ، لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ كَانَ أَسْوَدَ، وَزَيْدٌ أَبْيَضَ، فَكَانُوا لِذَلِكَ يَطْعُنُونَ فِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْهُ، وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ يَعْتَقِدُونَ قَوْلَ الْقَافَةِ، فَكَانَ قَوْلُ الْقَافَةِ مُقَطَّعًا لِطَعْنِهِمْ، فَسُرُورُهُ - لَا شَكَّ - أَنَّهُ لِمَا يُلْزِمُهُ مِنْ قَطْعِ طَعْنِهِمْ وَاسْتِرَاحَةِ مُسْلِمٍ مِنَ التَّأَذِّي بِنَفْيِ نَسَبِهِ وَظُهُورِ خَطَئِهِمْ وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ كَوْنَ الْقِيَافَةِ حَقًّا فِي نَفْسِهَا، فَيَكُونُ مُتَعَلَّقَ سُرُورِهِ أَيْضًا، أَوْ لَيْسَتْ حَقًّا فَيَخْتَصُّ سُرُورُهُ بِمَا قُلْنَا، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُنَا بِكَوْنِ سُرُورِهِ بِهَا نَفْسِهَا فَرْعُ حُكْمِنَا بِأَنَّهُ حَقٌّ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ حَقِّيَّتِهَا، وَلَمْ تَثْبُتْ بَعْدُ، وَطَعَنَ يَطْعُنُ - بِضَمِّ عَيْنِ الْمُضَارِعِ - فِي الرُّمْحِ وَالنَّسَبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute