٣٣١٣ - وَعَنْهَا، قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ مَسْرُورٌ. "، فَقَالَ: أَيْ عَائِشَةُ! أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ، فَلَمَّا رَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٣٣١٣ - (وَعَنْهَا) : أَيْ: عَنْ عَائِشَةَ (قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ) : أَيْ: عِنْدِي (رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ) : أَيْ: يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ أَوْ نَهَارًا (وَهُوَ مَسْرُورٌ) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَقَالَ: أَيْ عَائِشَةُ!) : أَيْ: يَا عَائِشَةُ، فَأَيْ نِدَاءٌ لِلْقَرِيبِ (أَلَمْ تَرَىْ) : بِحَذْفِ النُّونِ أَيْ: أَلَمْ تَعْلَمِي، يَعْنِي: هَذَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ أَنْ تَعَلَمِي فَاعْلَمِي (أَنَّ مُجَزِّزًا) : بِكَسْرِ الزَّايِ الْأَوْلَى مُشَدَّدَةً بَعْدَ الْجِيمِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحِهَا (الْمُدْلِجِيَّ) : نِسْبَةٌ إِلَى مُدْلِجٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ فَجِيمٌ. وَكَانَتِ الْقِيَافَةُ فِيهِمْ، وَفِي بَنِي أَسَدٍ يَعْتَرِفُ لَهُمُ الْعَرَبُ (دَخَلَ) : أَيْ: فِي الْمَسْجِدِ (فَلَمَّا رَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا) : أَيِ: ابْنَهُ (وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ) : أَيْ: كِسَاءٌ غَلِيظٌ (قَدْ غَطَّيَا) : أَيْ: بِهَا (رُءُوسَهُمَا) : قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ وَادِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] ، لِأَنَّهُ قَدِ، اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ هَذَا الْمَبْحَثِ. (وَبَدَتْ) : أَيْ: ظَهَرَتْ وَكُشِفَتْ (أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ) : أَيِ: الْمُدْلِجِيُّ (إِنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضَهَا مِنْ بَعْضٍ) : قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَقْدَحُ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مَعَ إِلْحَاقِ الشَّرْعِ إِيَّاهُ بِهِ، لِكَوْنِهِ أَسْوَدَ شَدِيدَ السَّوَادِ، وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ، فَلَمَّا قَضَى هَذَا الْقَائِفَ بِإِلْحَاقِ نَسَبِهِ مَعَ اخْتِلَافِ اللَّوْنِ، وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْتَمِدُ قَوْلَ الْقَائِفِ فَرِحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَوْنِهِ زَاجِرًا لَهُمْ عَنِ الطَّعْنِ فِي نَسَبِهِ، وَكَانَتْ أَمُّ أُسَامَةَ حَبَشِيَّةً سَوْدَاءَ اسْمُهَا بَرَكَةُ، وَكُنْيَتُهَا أَمُّ أَيْمَنَ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْقَائِفِ، وَاتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ أَمْ يُكْتَفَى بِوَاحِدٍ؟ وَالْأَصَحُّ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ، اهـ.
وَقِيلَ: فِيهِ جَوَازُ الْحُكْمِ بِفِعْلِ الْقِيَافَةِ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ. أَقُولُ: لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثُبُوتُ النَّسَبِ بِعِلْمِ الْقِيَافَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَقْوِيَةٌ وَدَفْعُ تُهْمَةٍ وَرَفْعُ مَظِنَّةٍ، كَمَا إِذَا شَهِدَ عَدَلٌ بِرُؤْيَةِ هِلَالٍ وَوَافَقَهُ مُنَجِّمٌ، فَإِنَّ قَوْلَ الْمُنَجِّمِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا لَا نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُقَوِّيًا لِلدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، فَتَأَمَّلْ! قَالَ الْقَاضِي: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِ الْقَائِفِ فِي الْأَنْسَابِ، وَأَنَّ لَهُ مَدْخَلًا فِي إِثْبَاتِهَا، وَإِلَّا لَمَا اسْتَبْشَرَ بِهِ، وَلَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ، إِذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ رَجْمًا بِالْغَيْبِ مَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُوَافِقَ الْحَقَّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وِفَاقًا، وَخُصُوصًا مَا يَكُونُ صَوَابُهُ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ، وَخَطَؤُهُ قَذْفَ مُحْصَنَةٍ، وَلَا الِاسْتِدْلَالُ بِمَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَقَالُوا: إِذَا ادَّعَى رَجُلَانِ أَوْ أَكْثَرَ نَسَبَ مَوْلُودٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، أَوِ اشْتَرَكُوا فِي وَطْءِ امْرَأَةٍ بِالشُّبْهَةِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَتَنَازَعُوا فِيهِ حُكِّمَ الْقَائِفُ فَبِأَيِّهِمْ أَلْحَقَهُ لِحَقَهُ، وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، بَلْ قَالُوا: يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِهِمْ جَمِيعًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَلْحَقُ رَجُلَيْنِ وَثَلَاثًا، وَلَا يَلْحَقُ بِأَكْثَرَ وَلَا بِامْرَأَتَيْنِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْحَقُ بِهِمَا أَيْضًا، وَكُلُّ ذَلِكَ ضَعِيفٌ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَإِذَا كَانَتِ الْجَارِيَةُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْمَرَضِ أَوِ الصِّحَّةِ، وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ اتِّفَاقًا إِلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ. قَالَ: وَإِنِ ادَّعَيَاهُ مَعًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُمَا، وَكَانَتِ الْأُمُّ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا فَتَخْدِمُ كُلًّا مِنْهُمَا يَوْمًا، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ، وَيَرِثُ الِابْنُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ، وَيَرِثَانِ مِنْهُ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا كَانَ كُلٌّ مِنْ مِيرَاثِ الِابْنِ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا. وَقَالَ: وَبِقَوْلِنَا قَالَ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُهُ فِي الْقَدِيمِ، وَرَجَّحَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ حَدِيثَ الْقِيَافَةِ، وَقِيلَ: يُعْمَلُ بِهِ إِذَا فُقِدَتِ الْقَافَةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِ الْقَائِفِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدِ الْقَائِفُ وَقَفَ حَتَّى بَلَغَ الْوَلَدُ، فَيُنْسَبُ إِلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، فَإِنْ لَمْ يُنْسَبْ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ نَسَبُهُ مَوْقُوفًا لَا يَثْبُتُ لَهُ نَسَبٌ مِنْ غَيْرِ أُمِّهِ، وَالْقَائِفُ: هُوَ الَّذِي يَتْبَعُ آثَارَ الْآبَاءِ فِي الْأَبْنَاءِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْآثَارِ مِنْ قَافَ أَثَرَهُ يَقُوفُهُ، مَقْلُوبُ قَفَا أَثَرَهُ مِثْلُ أَرَى مَقْلُوبَ رَأَى، وَالْقِيَافَةُ مَشْهُورَةٌ فِي بَنِي مُدْلِجٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدْلِجِيٌّ فَغَيْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَقَالَ بِهِ مَالِكٌ فِي الْآمَالِي. وَهَذَا لِأَنَّ إِثْبَاتَ النَّسَبِ مِنْ شَخْصَيْنِ مَعَ عِلْمِنَا بِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَتَخَلَّقُ مِنْ مَاءَيْنِ ; [لِأَنَّهَا كَمَا تُعَلِّقَ مِنْ رَجُلٍ انْسَدَّ فَمُ الرَّحِمِ مُتَعَذِّرٌ] ، فَقُلْنَا بِالشَّبَهِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَافَةَ لَوْ أَلْحَقَتْهُ بِهِمَا لَا يَلْحَقُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَبْطُلُ قَوْلُهُمْ إِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute