أَنَّهَا سَفِيهَةٌ لَا تَرُدُّ مَنْ أَرَادَ الْأَخْذَ مِنْهُ، وَهَذَا أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنَّهَا زَانِيَةً لَكَانَ قَذْفًا، وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُقِرَّهُ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَأْخُذَ فِي إِمْسَاكِهَا. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا مُطَاوَعَةٌ لِمَنْ أَرَادَهَا لَا تُرَدُّ يَدُهُ، قَالَ التُّورِبِشَتِيُّ: هَذَا وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ يَقْتَضِيهِ احْتِمَالًا فَإِنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَامْسِكْهَا إِذَنْ) : يَأْبَاهُ، وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إِمْسَاكِ مَنْ لَا تَمَاسُكَ لَهَا عَنِ الْفَاحِشَةِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ، وَإِنَّمَا الْوَجْهُ فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ شَكَا إِلَيْهِ خُرْقَهَا وَتَهَاوُنَهَا بِحِفْظِ مَا فِي الْبَيْتِ، وَالتَّسَارُعَ إِلَى بَذْلِ ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَهُ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا التَّوْجِيهُ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ إِمْسَاكَ الْفَاجِرَةِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، حَتَّى لَا يُؤْذَنَ فِيهِ سِيَّمَا إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُولَعًا بِهَا فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يَصْطَبِرَ عَنْهَا لَوْ طَلَّقَهَا، فَيَقَعُ هُوَ أَيْضًا فِي الْفُجُورِ، بَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّبَهَا وَيَجْتَهِدَ فِي حِفْظِهَا. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الْفَاجِرَةِ وَإِنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: رَفَعَهُ أَحَدُ الرُّوَاةِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَحَدُهُمْ لَمْ يَرْفَعْهُ وَقَالَ) : أَيِ: النَّسَائِيُّ (وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِثَابِتٍ) : أَيْ: وَصْلُهُ.
قَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَسَكَتَ عَلَيْهِ. قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَلَى الِاتِّفَاقِ وَالِانْفِرَادِ، اهـ. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُسْنَدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَاقَهُ بِلَفْظِهِ مُرْسَلًا. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُسْنَدًا وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ، اهـ كَلَامُ الشَّيْخِ. وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ وَصْلَ هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ بِثَابِتٍ، وَالْمُرْسَلَ أَصَحُّ، لِأَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِثَابِتٍ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، تَأَمَّلْ. ذَكَرَهُ مِيرَكُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute