تَقُولُ: صُمْتُ عَشْرًا، وَلَوْ ذَكَّرْتَ لَخَرَجْتَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَتَأْنِيثُ الْعَشْرِ بِاعْتِبَارِ اللَّيَالِي لِأَنَّهَا غُرَرُ الشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ، وَلِذَلِكَ لَا يَسْتَعْمِلُونَ التَّذْكِيرَ فِي مِثْلِهِ قَطُّ ذَهَابًا إِلَى الْأَيَّامِ، حَتَّى إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: صُمْتُ عَشْرًا وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا} [طه: ١٠٣] ثُمَّ {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا} [طه: ١٠٤] . قَالَ: وَعُمُومُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي تَسَاوِيَ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ فِيهِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ كَمَا قَالَ الْأَصَمُّ وَالْحَامِلِ وَغَيْرِهَا، لَكِنَّ الْقِيَاسَ اقْتَضَى تَنْصِيفَ الْمُدَّةِ لِلْأَمَةِ، وَالْإِجْمَاعُ خَصَّ الْحَامِلَ عَنْهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ احْتِيَاطًا.
قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَشَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنَ الْمَوْتِ. وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مِنْ وَقْتِ عِلْمِهَا حَتَّى لَوْ مَاتَ فِي سَفَرٍ، فَلَمْ يَبْلغُهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ انْقَضَتِ الْعِدَّةُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَعِنْدَ عَلِيٍّ: لَا تَنْقَضِي حَتَّى تَمُرَّ عِدَّتُهَا مِنْ حِينِ عَمِلَتِ الْإِحْدَادَ، وَلَا يُمْكِنُهَا إِقَامَتُهُ إِلَّا بِالْعِلْمِ. قُلْنَا: قُصَارَاهُ أَنْ تَكُونَ كَالْعَالِمَةِ وَلَمْ تَحُدَّ حَتَّى مَضَتِ الْمُدَّةُ، فَإِنَّهَا تَخْرُجُ اتِّفَاقًا عَنِ الْعِدَّةِ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْهَا عَدَمُ التَّزَوُّجِ وَقَدْ وُجِدَ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ تَابِعٌ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ: وَلَعَلَّ الْمُقْتَضِيَ لِهَذَا التَّقَدُّمِ أَنَّ الْجَنِينَ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ يَتَحَرَّكُ لِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إِنْ كَانَ ذَكَرًا وَلِأَرْبَعَةٍ إِنْ كَانَ أُنْثَى فَاعْتُبِرَ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ، وَزِيدَ عَلَيْهِ عَشْرٌ اسْتِظْهَارًا إِذْ رُبَّمَا تَضْعُفُ حَرَكَتُهُ فِي الْمَبَادِئِ، فَلَا يُحِسُّ بِهَا. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَإِنْ كَانَتِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا حَامِلًا فَعِدَّتُهَا أَنْ تَضَعَ حُرَّةً أَوْ أَمَةً كَالْمُطَلَّقَةِ وَالْمُتَارِكَةِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَالْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا كَذَلِكَ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: لَا بُدَّ مِنَ الْوَضْعِ وَالْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُوجِبُ الْعِدَّةَ عَلَيْهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] يُوحِيهَا عَلَيْهَا فَتَجْمَعُ احْتِيَاطًا. وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ اخْتَلَفَا فِي الْمَرْأَةِ تُنْفَسُ بَعْدَ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ. فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إِذَا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا حَلَّتْ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الْأَجَلَيْنِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ، فَأَرْسَلُوا كُرَيْبًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَ هُوَ أَنَّهَا قَالَتْ: «وَلَدَتْ سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " قَدْ حَلَلْتِ انْكِحِي مَنْ شِئْتِ» ". وَفِي التِّرْمِذِيَّ: إِلَّا أَنَّهَا وَضَعَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ: مَنْ شَاءَ لَاعَنْتُهُ لَأُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهَرِ وَعَشْرٍ. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ: مَنْ شَاءَ حَالَفْتُهُ، وَأَسْنَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ، «عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا؟ فَقَالَ: " هِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا» . وَفِيهِ الْمُثَنَّى بْنُ صَبَّاحٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute