٣٣٥٥ - وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنِّي فَقِيرٌ لَيْسَ لِي شَيْءٌ، وَلِي يَتِيمٌ، فَقَالَ: " كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُبَادِرٍ وَلَا مُتَأَثِّلٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.
ــ
٣٣٥٥ - (وَعَنْهُ) : أَيْ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ (عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إِنِّي فَقِيرٌ لَيْسَ لِي شَيْءٌ) : أَيْ شَيْءٌ أَسْتَغْنِي بِهِ إِذِ الْفَقْرُ عِنْدَنَا مَنْ لَا يَمْلِكُ نِصَابًا أَوْ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مُطْلَقًا، فَالْمُرَادُ بِالْفَقْرِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ أَوِ الِاصْطِلَاحِيُّ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّافِعِيِّ. قَالَ الطِّيِبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَوْلُهُ: لَيْسَ لِي شَيْءٌ صِفَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِفَقِيرٍ عَلَى تَفْسِيرِ الشَّافِعِيِّ لِلْفَقِيرِ، وَمُمَيِّزَةٌ عَلَى تَفْسِيرِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ، (وَلِي يَتِيمٌ (: أَرَادَ أَنَّهُ قَيِّمٌ لَهُ، وَلِذَا أَضَافَ الْيَتِيمَ إِلَى نَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ رَخَّصَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ. (فَقَالَ: " «كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ» ") : أَيْ غَيْرَ مُفَرِّطٍ وَمُتَصَرِّفٍ فَوْقَ الْحَاجَةِ (وَلَا مُبَادِرٍ) : بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ الْحَاضِرَةِ الْمُصَحَّحَةِ أَيْ: مُسْتَعْجِلٍ فِي الْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ حُضُورِ الْحَاجَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ مُبَادِرٍ بُلُوغَهُ وَكِبَرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ: {وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} [النساء: ٦] وَقَالَ الْقَاضِي: أَيْ لَا يُسْرِفُ فِي الْأَكْلِ فَيَأْكُلَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَلَا يُبَذِّرُ فَيَتَّخِذَ مِنْهُ أَطْعِمَةً لَا تَلِيقُ بِالْفُقَرَاءِ، وَيُعَدُّ ذَلِكَ تَبْذِيرًا مِنْهُمْ، وَرُوِيَ: وَلَا مُبَادِرٍ بِالدَّالِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْجَالٍ وَمُبَادَرَةٍ إِلَى أَخْذِهِ قَبْلَ أَنْ يَفْتَقِرَ إِلَيْهِ مَخَافَةَ أَنْ يَبْلُغَ الصَّبِيُّ فَيَنْزِعَ مَالَهُ مِنْ يَدِهِ (وَلَا مُتَأَثِّلَ) : بِتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ: غَيْرَ جَامِعٍ مَالًا مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، مِثْلَ: أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ مَالِهِ رَأْسَ مَالٍ فَيَتَّجِرَ فِيهِ اهـ.
وَهُوَ صَرِيحٌ أَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ فِي الْمَصَابِيحِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فِي قَوْلِهِ مُبَادِرٍ، وَلِذَا قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِمَا فِي التَّنْزِيلِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا} [النساء: ٦] فَإِنْ قُلْتَ: أَيْنَ الْمُوَافَقَةُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَلَا مُتَأَثِّلٍ لَيْسَ فِي التَّنْزِيلِ، قُلْتُ: لَعَلَّهُ كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ: وَلَا مُبَادِرٍ أَيْ يُبَادِرُ فِي تَصَرُّفِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَيَجْعَلُهُ رَأْسَ مَالٍ لِيَرْبَحَ بِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَبْلُغَ فَيَنْزِعَ مَالَهُ مِنْ يَدِهِ، فَإِذَا بَلَغَ أَعْطَاهُ رَأْسَ مَالِهِ وَأَخَذَ الرِّبْحَ لِنَفْسِهِ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute