للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْحَدِيثُ أَفَادَ تَصَوُّرَ عِتْقِ الْبَعْضِ فَقَطْ، يَعْنِي: وَهُوَ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: (وَرَقَّ مِنْهُ مَا رَقَّ) ، وَلَكِنْ قَالَ أَهْلُ هَذَا الشَّأْنِ: هِيَ ضَعِيفَةٌ مَكْذُوبَةٌ، وَأَمَّا قَوْلُ أَيُّوبَ: لَا نَدْرِي أَشَيْءٌ قَالَهُ نَافِعٌ أَوْ هُوَ شَيْءٌ فِي الْحَدِيثِ؟ فَلَا يَضُرُّ إِذِ الظَّاهِرُ بَلِ الْوَاجِبُ أَنَّهُ مِنْهُ إِذْ لَا يَجُوزُ إِدْرَاجُ مِثْلِ هَذَا مِنْ غَيْرِ نَصٍّ قَاطِعٍ فِي إِفَادَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا فِي مَمْلُوكِهِ فَخَلَاصُهُ عَلَيْهِ مَالُهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا قُوِّمَ عَلَيْهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» ". أَيْ لَا يُغَلِي عَلَيْهِ الثَّمَنَ أَفَادَ عَدَمَ سَرَايَةِ الْعِتْقِ إِلَى الْكُلِّ بِمُجَرَّدِ عِتْقِ الْبَعْضِ، وَإِلَّا لَكَانَ قَدْ خَلُصَ قَبْلَ تَخْلِيصِ الْمُعْتِقِ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ لَهُمَا أَيْ لِصَاحِبَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكِهِ أَوْ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ عَدْلٍ فَهُوَ عِتْقٌ» ". وَفِي لَفْظٍ: فَقَدْ عَتَقَ كُلُّهُ؟ فَإِنَّمَا يَقْتَضِي عِتْقَ كُلِّهِ إِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ قِيمَتَهُ، وَلَيْسَ مُدَّعَاهُمَا ذَلِكَ، بَلْ إِنَّهُ يُعْتَقُ كُلُّهُ بِمُجَرَّدِ إِعْتَاقِ بَعْضِهِ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَا. فَقَدْ أَفَادَتِ الْأَحَادِيثُ أَنَّ الْعِتْقَ مِمَّا يَقْتَصِرُ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ السِّرَايَةِ، وَإِنْ وَرَدَتْ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَقَ إِذَا كَانَ مُعْسِرًا لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ كَانَ إِعْتَاقُ الْبَعْضِ إِعْتَاقَ الْكُلِّ لَضَمِنَ مُطْلَقًا، كَمَا إِذَا أَتْلَفَهُ بِالسَّيْفِ أَوْ بِالشَّهَادَةِ بِهِ لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَحَيْثُ ثَبَتَ الِاقْتِصَارُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِتْقِ فِي قَوْلِهِ: (فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ) زَوَالَ الْمِلْكِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ بِخِلَافِ مَا قِيلَ: إِنَّ قَوْلَ عُمَرَ قَوْلُهُمَا، فَقَدْ أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ لَنَا غُلَامٌ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ، فَأَبْلَى فِيهَا وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أُمِّي وَأَخِي الْأَسْوَدِ، فَأَرَادُوا عِتْقَهُ، وَكُنْتُ يَوْمَئِذٍ صَغِيرًا، فَذَكَرَ الْأَسْوَدُ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ: أَعْتِقُوا أَنْتُمْ، فَإِذَا بَلَغَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَرَغِبَ فِيمَا رَغِبْتُمْ أَعْتَقَ، وَإِلَّا فَضَمِنَكُمْ أَثْبَتَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِعْتَاقَ بَعْدَ بُلُوغِهِ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ إِعْتَاقُهُمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>