٣٣٩١ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٣٣٩١ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وَلَا يَجْزِي) : بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْيَاءِ فِي آخِرِهِ أَيْ: لَا يُكَافِئُ (وَلَدٌ وَالِدَهُ) : أَيْ: إِحْسَانَ وَالِدِهِ (إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ) : أَيْ: يُصَادِفَهُ (مَمْلُوكًا) : مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي (يَجِدَهُ) (فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ) : بِالنَّصْبِ فِيهِمَا: قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ: ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ إِلَى أَنَّ الْأَبَ لَا يُعْتَقُ عَلَى وَلَدِهِ إِذَا تَمَلَّكَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ تَرْتِيبُ الْإِعْتَاقِ عَلَى الشِّرَاءِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ التَّمَلُّكِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْشِئَ فِيهِ عِتْقًا، وَأَنَّ قَوْلَهُ: (فَيُعْتِقَهُ) مَعْنَاهُ: فَيُعْتِقُهُ بِالشِّرَاءِ لَا بِإِنْشَاءِ عِتْقٍ، وَالتَّرْتِيبُ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ دُونَ الْإِنْشَاءِ.
فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: قَالُوا إِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَحَدًا مِنْ آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ أَوْ أَحَدًا مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ أَوْ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ آخَرَ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْشِئَ فِيهِ عِتْقًا. قُلْتُ: وَسَيَأْتِي حَدِيثُ: ( «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ» ) قَالَ الْمُظْهِرَ: فَعَلَى هَذَا الْفَاءُ فِي (فَيُعْتِقَهُ) لِلسَّبَبِيَّةِ يَعْنِي فَيُعْتِقَهُ بِسَبَبِ شِرَائِهِ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى قَوْلِهِ: أَعْتَقْتُكَ بَعْدَ الشِّرَاءِ بَلْ عَتَقَ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ يَجْعَلُ الْفَاءَ فِي (فَيُعْتِقَهُ) لِلتَّعْقِيبِ لَا لِلسَّبَبِيَّةِ، وَإِذَا صَحَّ الشِّرَاءُ ثَبَتَ الْمِلْكُ وَالْمِلْكُ يُفِيدُ التَّصَرُّفَ. قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا لَا يَشْفِي الْغَلِيلَ ; لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ تَقْتَضِي الْمَالِكِيَّةَ كَمَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ» . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: ٢٣٣] وَالشِّرَاءُ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْمِلْكِ، وَالْعِتْقُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ، كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ أَنَّ مَنْ قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي يَقْتَضِي تَمْلِيكَهُ إِيَّاهُ ثُمَّ إِعْتَاقَهُ عَنْهُ، فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جَمْعٌ بَيْنَ الْمُتَنَافِيَيْنِ، فَالْحَدِيثُ مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ بِالْمُحَالِ لِلْمُبَالَغَةِ، وَالْمَعْنَى لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إِلَّا أَنْ يَمْلِكَهُ فَيُعْتِقَهُ وَهُوَ مُحَالٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٢] الْكَشَّافَ: يَعْنِي إِنْ أَمْكَنَكُمْ أَنْ تَنْكِحُوا مَا قَدْ سَلَفَ فَانْكِحُوهُ، فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ غَيْرُهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَالْغَرَضُ الْمُبَالَغَةُ فِي تَحْرِيمِهِ وَسَدُّ الطَّرِيقَةِ إِلَى إِبَاحَتِهِ كَمَا يُعَلَّقُ بِالْمُحَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: ٥٤] إِذْ جُعِلَتِ التَّوْبَةُ نَفْسَ الْقَتْلِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute