فَلَوْ تَمَّ تَضْعِيفُ عَبْدِ الْغَفَّارِ لَمْ يَضُرَّ لَكِنَّ الْحَقَّ عَدَمُهُ، وَإِنْ كَانَ مُتَشَيِّعًا فَقَدْ صَرَّحَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ بْنُ الْإِمَامِ عَلِيٍّ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، بِأَنَّهُ شَهِدَ حَدِيثَ جَابِرٍ وَأَنَّهُ أَجَازَ لَنَا فِي بَيْعِ مَنَافِعِهِ، وَلَا يُمْكِنُ لِثِقَةٍ إِمَامٍ ذَلِكَ إِلَّا لِعِلْمِهِ ذَلِكَ مِنْ جَابِرٍ رَاوِي الْحَدِيثِ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ بَاعَ خِدْمَةَ الْعَبْدِ مِنْ بَابِ دَفْعِ الصَّائِلِ ; لِأَنَّ النَّصَّ مُطْلَقٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ إِلَّا لِمُعَارَضَةِ نَصٍّ آخَرَ يَمْنَعُ مِنَ الْعَمَلِ بِطَلَاقِهِ، فَأَنْتَ إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحُرَّ كَانَ يُبَاعُ لِلدَّيْنِ ثُمَّ نُسِخَ، وَأَنَّ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ بَاعَ مُدَبَّرًا لَيْسَ إِلَّا حِكَايَةَ الرَّاوِي نَقْلًا جُزْئِيًّا لَا عُمُومَ لَهَا، وَأَنَّ قَوْلَهُ: عَتَقَ عَنْ دُبُرٍ، أَوْ دَبَّرَ أَعَمُّ مِنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، إِذْ يَصْدُقُ عَلَى الَّذِي دَبَّرَ مُقَيَّدًا أَنَّهُ أَعْتَقَ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ، وَأَنَّ مَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَوْقُوفٌ صَحِيحٌ، وَحَدِيثُ أَبِي جَعْفَرٍ مُرْسَلٌ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، وَقَدْ أَقَمْنَا الدَّلَالَةَ عَلَى وُجُوبِ قَبُولِ الْمُرْسَلِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى الْمُسْنَدِ بَعْدُ أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ، عَلِمْتَ قَطْعًا أَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ، بَلْ سَالِمَةٌ عَنِ الْمُعَارِضِ، وَكَذَا قَوْلُ ابْنِ عِمْرَانَ لَمْ يَصِحَّ رَفْعُهُ بِعَضُدِهِ وَلَا يُعَارِضُهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَدْبِيرُهَا مُقَيَّدًا لِأَنَّهُ أَيْضًا وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا، فَلَمْ يَتَنَاوَلْ حَدِيثُ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَحَلَّ نِزَاعٍ أَلْبَتَّةَ، فَكَيْفَ وَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى السَّمَاعِ لِمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ عَلَّقَ التَّدْبِيرَ بِمَوْتِهِ عَلَى صِفَةٍ مِثْلِ أَنْ يَقُولَ: إِنْ مُتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا، أَوْ سَفَرِي هَذَا، أَوْ مَرَضِ كَذَا، أَوْ قُتِلْتُ، أَوْ غَرِقْتُ فَلَيْسَ بِمُدَبَّرٍ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ ; لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ لَمْ تَنْعَقِدْ فِي الْحَالِ لِلتَّرَدُّدِ فِي تِلْكَ الصِّفَةِ هَلْ تَقَعُ أَمْ لَا؟ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ ; لِأَنَّ تَعَلُّقَ عِتْقِهِ بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، ثُمَّ إِنْ مَاتَ الْمَوْلَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَتَقَ كَمَا يُعْتَقُ الْمُدَبَّرُ يَعْنِي مِنَ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُ التَّدْبِيرِ لَهُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ بِتَحَقُّقِ تِلْكَ الصِّفَةِ فِيهِ، فَإِذْ ذَلِكَ يَصِيرُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، بَلْ لَا يُمْكِنُ، وَإِنْ بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ، أَوْ رَجَعَ مِنْ ذَلِكَ السَّفَرِ، ثُمَّ مَاتَ لَمْ يُعْتَقْ ; لِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ قَدِ انْعَدَمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute