٣٤١١ - وَعَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا ; إِلَّا كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٣٤١١ - (وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ ") : هَذَا قَسَمٌ وَشَرْطٌ (" لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ ") : جَوَابُ الْقَسَمِ، وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ مُعْتَرِضَةٌ، وَالْقَسَمِيَّةُ خَبَرُ إِنَّ، الْكَشَّافَ: سُمِّيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَمِينًا لِتَلَبُّسِهِ بِالْيَمِينِ. ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ الشَّمَنِيُّ، قَوْلُهُ: عَلَى يَمِينٍ أَيْ مُقْسَمٍ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْيَمِينِ جُمْلَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: مُقْسَمٌ بِهِ وَالْأُخْرَى مُقْسَمٌ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ الْكُلُّ، وَأُرِيدَ الْبَعْضُ، وَقِيلَ: ذُكِرَ اسْمُ الْحَالِ، وَأُرِيدَ الْمَحَلُّ ; لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مَحَلُّ الْيَمِينِ (" فَأُرَى ") : بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ: فَأَظُنُّ، وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ فَأَعْلَمُ (غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا كَفَّرْتُ ") : بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ: أَعْطَيْتُ الْكَفَّارَةَ بَعْدَ حِنْثِهَا أَوْ نَوَيْتُ دَفْعَ الْكَفَّارَةِ (" عَنْ يَمِينِي وَأَتَيْتُ ") أَيْ فَعَلْتُ (" الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ") : وَالْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ عَلَى الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ، وَفِيهِ نَدْبُ الْحِنْثِ إِذَا كَانَ خَيْرًا كَمَا إِذَا حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ وَالِدَهُ أَوْ وَلَدَهُ، فَإِنَّ فِيهِ قَطْعَ الرَّحِمِ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَلَى الْحِنْثِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَغَيْرُهُمْ إِلَى جَوَازِهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: إِنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ فَلَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْعِتْقُ أَوِ الْإِطْعَامُ أَوِ الْكُسْوَةُ، كَمَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الزَّكَاةِ عَلَى الْحَوْلِ، وَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ صَوْمِ رَمَضَانَ قَبْلَ وَقْتِهِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمَنَّانُ فِي تَحْقِيقِ الْمَقَامِ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ: إِنْ قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْحِنْثِ لَمْ يُجْزِئْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُجْزِئُهُ بِالْمَالِ دُونَ الصَّوْمِ ; لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ السَّبَبِ وَهُوَ الْيَمِينُ، وَإِنَّمَا كَانَ سَبَبُ الْكَفَّارَةِ هُوَ الْيَمِينَ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إِلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي النَّصِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: ٨٩] وَأَهْلُ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ يَقُولُونَ: كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَلَا يَقُولُونَ كَفَّارَةُ الْحِنْثِ، فَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ سَبَبِيَّةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ لِلْمُضَافِ الْوَاقِعِ حُكْمًا شَرْعِيًّا، أَوْ مُتَعَلِّقَةٌ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ، وَإِذَا ثَبَتَ سَبَبِيَّتُهُ جَازَ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ شَرْطٌ، وَالتَّقْدِيمُ عَلَى الشَّرْطِ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ ثَابِتٌ شَرْعًا كَمَا جَازَ فِي الزَّكَاةِ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَوْلِ بَعْدَ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ النَّصَّابِ، وَكَمَا فِي تَقْدِيمِ التَّكْفِيرِ بَعْدَ الْجَرْحِ عَلَى الْمَوْتِ بِالسِّرَايَةِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَفْتَرِقَ الْمَالُ وَالصَّوْمُ، وَهُوَ قَوْلُهُ الْقَدِيمُ، وَفِي الْجَدِيدِ: لَا يُقَدَّمُ الصَّوْمُ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةَ لَا تُقَدَّمُ عَلَى الْوَقْتِ يَعْنِي أَنَّ تَقَدُّمَ الْوَاجِبِ بَعْدَ السَّبَبِ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَمْ يُعْرَفْ شَرْعًا إِلَّا فِي الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ، فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ مُطْلَقًا صَوْمًا كَانَ أَوْ مَالًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى التَّقْدِيمِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَلَنَا: أَنَّ الْكَفَّارَةَ لِسَتْرِ الْجِنَايَةِ مِنَ الْكُفْرِ وَهُوَ السَّتْرُ قَالَ الْقَائِلُ:
فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ ظَلَامُهَا ... وَبِهِ سُمِّيَ الزَّارِعُ كَافِرًا
لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْبَذْرَ فِي الْأَرْضِ، وَلَا جِنَايَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ ; لِأَنَّهَا مَنُوطَةٌ بِهِ لَا بِالْأَيْمَانِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ اللَّهَ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ، وَلِذَا قَدَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةُ عَلَى الْأَيْمَانِ، وَكَوْنُ الْحِنْثِ جِنَايَةً مُطْلَقًا لَيْسَ وَاقِعًا، إِذْ قَدْ يَكُونُ فَرْضًا، وَإِنَّمَا أُخْرِجَ الْكَلَامُ مُخْرَجَ الظَّاهِرِ الْمُتَبَادِرِ مِنْ إِحْلَافِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا سَبَبُ الْحِنْثِ، سَوَاءٌ كَانَ مَعْصِيَةً أَوْ لَا. وَالْمَدَارُ تَوْقِيرُ مَا يَجِبُ لِاسْمِ اللَّهِ عَلَيْهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute