للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَمَانَةِ اللَّهِ كَانَ يَمِينًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَعَلَّهُ جَعَلَ الْأَمَانَةَ مِنَ الصِّفَاتِ، فَقَدْ قِيلَ: الْأَمِينُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوِ الْمُرَادُ أَمَانَةُ اللَّهِ كَلِمَتُهُ وَهَى كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَمَّا الصِّفَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا اسْمُ الْمَعْنَى الَّذِي يَتَضَمَّنُ ذَاتًا وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا وَهُوَ كَالْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَظِيمِ، فَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِكَوْنِ الْحَلِفِ بِهَا مُتَعَارَفًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ أَوِ الذَّاتِ، وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ. قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِمْ: وَأَمَانَةِ اللَّهِ إِنَّهُ يَمِينٌ ثُمَّ سُئِلَ مَا مَعْنَاهُ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي لِأَنَّهُ رَآهُمْ يَحْلِفُونَ بِهِ، فَحَكَمَ بِأَنَّهُ يَمِينٌ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ أَرَادَ مَعْنَى وَاللَّهِ الْأَمِينِ، فَالْمُرَادُ بِالْأَمَانَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا لَفْظُ الْيَمِينِ، كَعِزَّةِ اللَّهِ الَّتِي فِي ضِمْنِ الْعَزِيزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ ; لِأَنَّ الْغَيْرَ هُوَ مَا يَصِحُّ انْفِكَاكُهُ زَمَانًا أَوْ مَكَانًا أَوْ وُجُودًا، وَلَوْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ يَمِينًا لِعَدَمِ التَّعَارُفِ، وَفِي الْهِدَايَةِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِذَا قَالَ: وَحَقِّ اللَّهِ فَلَيْسَ بِحَالِفٍ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَرِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: يَعْنِي إِذَا أُطْلِقَ ; لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ عُدَّ فِي أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْحُسْنَى، وَقَالَ تَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ} [المؤمنون: ٧١] وَهُوَ حَقِيقَةٌ أَيْ كَوْنُهُ تَعَالَى ثَابِتَ الذَّاتِ أَيْ مَوْجُودَهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ الْحَقِّ، وَالْحَلِفُ بِهِ مُتَعَارَفٌ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ يَمِينًا، وَهَذَا قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَلَهُمَا: أَنَّ حَقَّ اللَّهِ يُرَادُ بِهِ طَاعَةُ اللَّهِ، إِذِ الطَّاعَاتُ حُقُوقُهُ وَصَارَ ذَلِكَ مُتَبَادِرًا شَرْعًا وَعُرْفًا، حَتَّى كَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ حَيْثُ لَا يَتَبَادَرُ سِوَاهُ، أَمَّا لَوْ قَالَ: وَالْحَقِّ يَكُونُ يَمِينًا بِالْإِجْمَاعِ، وَعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ يَمِينٌ إِذَا أُطْلِقَ عِنْدَنَا، وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَكُونُ يَمِينًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ ; لِأَنَّ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ يَحْتَمِلُ الْعِبَادَاتِ، فَلَا يَكُونُ يَمِينًا بِغَيْرِ النِّيَّةِ، وَكَذَا أَمَانَةُ اللَّهِ. عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، فَعِنْدَنَا وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ: هُوَ يَمِينٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِالنِّيَّةِ ; لِأَنَّهَا فُسِّرَتْ بِالْعِبَادَاتِ. قُلْنَا: غَلَبَ إِرَادَةُ الْيَمِينِ إِذَا ذُكِرَتْ بَعْدَ حَرْفِ الْقَسَمِ فَوَجَبَ عَدَمُ تَوَقُّفِهَا عَلَى النِّيَّةِ لِلْعَادَةِ الْغَالِبَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ أَيِ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ إِنَّمَا يَقْتَضِي عَدَمَ كَوْنِهِ يَمِينًا، وَالْوَجْهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَقْتَضِي مِنْهُ الْحَلِفَ بِهِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْكَفَّارَةَ عِنْدَنَا، وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>