للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٤٢٣ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «كَانَتْ يَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا حَلَفَ: " لَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ.

ــ

٣٤٢٣ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَتْ يَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا حَلَفَ) : يَعْنِي أَحْيَانًا (" لَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ") . قَالَ الْقَاضِي: أَيْ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا لَكِنْ شَابَهَهُ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ أَكَّدَ الْكَلَامَ وَقَرَّرَهُ، وَأَعْرَبَ عَنْ مَخْرَجِهِ بِالْكَذِبِ فِيهِ وَتَحَرُّزِهِ عَنْهُ، فَلِذَلِكَ سَمَّاهُ يَمِينًا. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِلْعَطْفِ، وَهُوَ يَقْتَضِي مَعْطُوفًا عَلَيْهِ مَحْذُوفًا وَالْقَرِينَةُ لَفْظَةُ لَا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو إِمَّا أَنْ تَكُونَ تَوْطِئَةً لِلْقَسَمِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ: {لَا أُقْسِمُ} [القيامة: ١] رَدًّا لِلْكَلَامِ السَّابِقِ وَإِنْشَاءَ قَسَمٍ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ الْمَعْنَى لَا أُقْسِمُ بِاللَّهِ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُظْهِرُ مِنْ قَوْلِهِ: إِذَا حَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمِينَ لَغْوٍ كَانَ يَقُولُ: وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَقِيبَهُ تَدَارُكًا لِمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَإِنْ كَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ لِمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ لِيَكُونَ بِهِ دَلِيلًا لِأُمَّتِهِ عَلَى الِاحْتِرَازِ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَعًا لِلْمُظْهِرِ: أَيْ إِذَا حَلَفَ فِي أَثْنَاءِ الْمُحَاوَرَاتِ لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ اسْتَدْرَكَهُ بِذَلِكَ نَافِيًا كَوْنَهُ يَمِينًا مَعْقُودًا عَلَيْهِ اهـ.

وَأَنْتَ تَعْرِفُ أَنَّ حَمْلَ كَلَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى اللَّغْوِ مُنَافٍ لِمَقَامِ الرِّسَالَةِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: ٣] عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ قَدْ ذُكِرَ سَابِقًا فِي يَمِينِ اللَّغْوِ هَذَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ كَانَتْ يَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ إِذَا حَلَفَ مَقْرُونَةً " لَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ". يَعْنِي إِذَا حَلَفَ وَبَالَغَ بِقَوْلِهِ لَا قَالَ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ يَعْنِي مِمَّا يَعْلَمُ بِهِ اللَّهُ عَلَى خِلَافِ مَا وَقَعَ مِنِّي وَصَدَرَ عَنِّي، فَإِنَّهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ الْمُؤَاخَذَةُ، لَكِنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ، أَوِ التَّقْدِيرُ: وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنَ الْحَلِفِ، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ تَرْكُهَا إِلَّا لِمَكَانِ ضَرُورَةٍ بِهَا، فَإِنَّهَا فِي الْأَصْلِ عُرْضَةٌ وَهِيَ مَنْهِيَّةٌ، وَلِذَا امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ عَنِ الْحَلِفِ، وَلَوْ كَانَ صَادِقًا، فَمَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا كَانَ لِلِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ مِنْ تَأْكِيدِ حُكْمٍ أَوْ بَيَانِ جَوَازٍ، وَلِذَا قِيلَ: إِذَا أَرَادَ الْحَلِفَ ذَكَرَ هَذَا بَدَلًا عَنِ الْحَلِفِ وَلَمْ يَحْلِفْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>