حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ. (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيَّ) . أَيْ وَمَعَ هَذَا لَا أَتَعَرَّضُ لَهُ، (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقْتُلْهُ ") ، يُسْتَفَادُ مِنْ نَهْيِهِ عَنِ الْقَتْلِ وَالتَّعَرُّضِ لَهُ ثَانِيًا بَعْدَمَا كَرَّرَ أَنَّهُ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ يَدَيْهِ قِصَاصًا (" فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ ") ، لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا مَعْصُومَ الدَّمِ قَبْلَ أَنْ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي أَبَاحَتْ دَمَكَ قِصَاصًا، وَالْمَعْنَى كَمَا كُنْتَ قَبْلَ قَتْلِهِ مَحْقُونَ الدَّمِ بِالْإِسْلَامِ كَذَلِكَ هُوَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ (" وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ ") . لِأَنَّكَ صِرْتَ مُبَاحَ الدَّمِ كَمَا هُوَ مُبَاحُ الدَّمِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنَّ السَّبَبَ مُخْتَلِفٌ فَإِنَّ إِبَاحَةَ دَمِ الْقَاتِلِ بِحَقِّ الْقِصَاصِ وَإِبَاحَةَ دَمِ الْكَافِرِ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ الْخَوَارِجُ عَلَى تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ بِارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ، وَحَسِبُوا أَنَّ الْمَعْنَى بِهِ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْكُفْرِ، وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَدَّ الْقَاتِلَ مِنْ عِدَادِ الْمُؤْمِنِينَ، بَلِ الْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَاهُ اهـ كَلَامُ الْقَاضِي.
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَلَوْ حُمِلَ عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ} [آل عمران: ٩٧] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: ٢٥٤] لَجَازَ فَإِنَّهُ جَعَلَ تَارِكَ الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ فِي الْآيَتَيْنِ فِي زُمْرَةِ الْكَافِرِينَ تَغْلِيظًا وَتَشْدِيدًا إِيذَانًا بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْصَافِ الْكُفْرِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْهُ، وَبِدَارِ الْمَقَامِ يَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُ أَزْجَرُ وَأَرْدَعُ مِمَّا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ إِهْدَارِ الدَّمِ، وَلِأَنَّ جَعْلَهُ بِمَنْزِلَتِهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، بَلْ نَازِلٌ مَنْزِلَتَهُ فِي الْأَمْرِ الْفَظِيعِ الشَّنِيعِ، وَكَذَلِكَ هُوَ بِمَنْزِلَتِكَ فِي الْإِيمَانِ بِوَاسِطَةِ تَكَلُّمِهِ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ تَوْهِينًا لِفِعْلِهِ وَتَعْظِيمًا لِقَوْلِهِ، وَالْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ وَاللَّاحِقَةُ تَشْهَدُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ. قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّكَ مِثْلُهُ فِي مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ وَارْتِكَابِ الْإِثْمِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ الْإِيمَانُ فَيُسَمَّى إِثْمُهُ كُفْرًا وَإِثْمُكَ مَعْصِيَةً. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute