للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٣٤٥٠ - وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُنَاسٍ مِنْ جُهَيْنَةَ فَأَتَيْتُ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَذَهَبْتُ أَطْعَنُهُ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَقَتَلْتُهُ، فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: " أَقَتَلْتَهُ وَقَدْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ تَعَوُّذًا. قَالَ: " فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ» ؟ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

٣٤٥٠ - (وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) : حِبِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : أَيْ أَرْسَلَنِي مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ (إِلَى أُنَاسٍ مِنْ جُهَيْنَةَ) ، بِالتَّصْغِيرِ قَبِيلَةٌ (فَأَتَيْتُ) : أَيْ مَرَرْتُ أَوْ أَقْبَلْتُ (عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَذَهَبْتُ أَطْعَنُهُ) ، بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ شَرَعْتُ أَضْرِبُهُ بِالرُّمْحِ، وَيَجُوزُ ضَمُّ الْعَيْنِ. فَفِي الْقَامُوسِ: طَعَنَهُ بِالرُّمْحِ كَمَنَعَهُ وَنَصَرَهُ طَعْنًا ضَرَبَهُ وَزَجَرَهُ. (فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَتَلْتُهُ) ، ظَنَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ إِسْلَامَهُ لَا عَنْ صَمِيمِ قَلْبِهِ، أَوِ اجْتَهَدَ فِي هَذَا أَنَّ الْإِيمَانَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَنْفَعُ، فَبَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ: " أَقَتَلْتَهُ وَقَدْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ") ، وَالْجُمْلَةُ حَالِيَةٌ (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ) : أَيْ إِظْهَارَ الْإِيمَانِ (تَعَوُّذًا) . مَفْعُولٌ لَهُ، وَقِيلَ: حَالٌ أَيْ مُسْتَعِيذًا مِنَ الْقَتْلِ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَمَا كَانَ مُخْلِصًا فِي إِسْلَامِهِ (فَقَالَ) : أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (" فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ ") ؟ أَيْ إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ. فَلِمَ لَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ لِتَعْلَمَ وَتَطَّلِعَ عَلَى مَا فِي بَاطِنِهِ؟ أَتَعَوُّذَا قَالَ ذَلِكَ أَمْ إِخْلَاصًا؟ وَشَقُّ الْقَلْبِ مُسْتَعَارٌ هُنَا لِلْفَحْصِ وَالْبَحْثِ عَنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ أُسَامَةَ ادَّعَى أَمْرًا يَجُوزُ مَعَهُ الْقَتْلُ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهُ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ ; لِأَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْبَاحِثِ عَلَى الْقُلُوبِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا لِعَلَّامِ الْغُيُوبِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَاهُ أَنَّكَ إِنَّمَا كُلِّفْتَ بِالْعَمَلِ بِالظَّاهِرِ وَمَا يَنْطِقُ بِهِ اللِّسَانُ، وَأَمَّا الْقَلْبُ فَلَيْسَ لَكَ طَرِيقٌ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا فِيهِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ امْتِنَاعَهُ مِنَ الْعَمَلِ بِمَا يَظْهَرُ بِاللِّسَانِ فَقَالَ: هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ لِتَنْظُرَ هَلْ قَالَهَا بِالْقَلْبِ وَاعْتَقَدَهَا وَكَانَتْ فِيهِ، أَمْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ: بَلْ جَرَتْ عَلَى اللِّسَانِ فَحَسْبُ يَعْنِي: فَأَنْتَ لَسْتَ بِقَادِرٍ عَلَى هَذَا، فَاقْتَصِرْ عَلَى اللِّسَانِ وَلَا تَطْلُبْ غَيْرَهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ أَنَّ الْأَحْكَامَ يُحْكَمُ فِيهَا بِالظَّوَاهِرِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>