للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٣٤٨٧ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مَنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةِ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَالْعَقْلُ عَلَى عَصَبَتِهَا» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

٣٤٨٧ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : أَيْ حَكَمَ (فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ) : فِي الْقَامُوسِ: الْجَنِينُ الْوَلَدُ فِي الْبَدَنِ وَالْجَمْعُ أَجِنَّةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النجم: ٣٢] الْآيَةَ: (مِنْ بَنِي لِحْيَانَ) : بِكَسْرِ لَامٍ وَسُكُونِ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَجُوِّزَ فَتْحُ أَوَّلِهِ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ هُذَيْلٍ (سَقَطَ) : أَيْ وَقَعَ الْجَنِينُ (مَيِّتًا) : حَالٌ مُقَيِّدَةٌ، لِأَنَّهُ إِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ فَيَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَمَاتَتِ الْأُمُّ فَدِيَةٌ وَغُرَّةٌ، وَإِنْ مَاتَتْ فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَدِيَةٌ فَقَطْ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ الْمَسْأَلَةِ فِي آخِرِ الْبَابِ (بِغُرَّةٍ) : بِالتَّنْوِينِ وَهُوَ مُتَعَلِّقُ قُضِيَ (عَبْدٌ) : بَيَانٌ لَهُ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: وَإِذَا رُفِعَ فَخَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: هِيَ عَبْدٌ (أَوْ أَمَةٌ) : (أَوْ) لِلتَّنْوِيعِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِإِضَافَتِهَا إِلَى عَبْدٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ: الرِّوَايَةُ فِي غُرَّةٍ بِالتَّنْوِينِ وَمَا بَعْدَهُ بَدَلٌ مِنْهُ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْإِضَافَةِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَ (أَوْ) فِي قَوْلِهِ: أَوْ أَمَةٌ لِلتَّقْسِيمِ لَا لِلشَّكِّ وَفِي النِّهَايَةِ: الْغُرَّةُ الْعَبْدُ نَفْسُهُ أَوِ الْأَمَةُ، وَأَصْلُ الْغُرَّةِ الْبَيَاضُ الَّذِي يَكُونُ فِي وَجْهِ الْفَرَسِ، وَكَانَ أَبُو عُمَرَ بْنُ الْعَلَاءِ يَقُولُ: الْغُرَّةُ عَبْدٌ أَبْيَضُ أَوْ أَمَةٌ بَيْضَاءُ، فَلَا يُقْبَلُ فِي الْجَنِينِ عَبْدٌ أَسْوَدُ وَلَا جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: الْغُرَّةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْعَبْدِ مَنْ يَكُونُ ثَمَنُهُ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: الْغُرَّةُ الْخِيَارُ وَغُرَّةُ الْمَالِ خِيَارُهُ كَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ وَالنَّجِيبِ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ الْفَارِهَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ لَوْ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا، وَفِي الْأُنْثَى عُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ لَوْ ذَكَرًا نِصْفُهُ عُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ أُنْثَى. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ، ثُمَّ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ فِي الْجَنِينِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَيَقَّنْ بِحَيَاتِهِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ هَذَا الْحَدِيثُ: وَيَسْتَوِي فِي الْجَنِينِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ. وَلِأَنَّهُ قَدْ لَا يُعْرَفُ الذَّكَرُ مِنَ الْأُنْثَى، فَيُقَدَّرُ الْكُلُّ بِمِقْدَارٍ وَاحِدٍ تَيْسِيرًا. (ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قُضِيَ) : بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ أَيْ: حُكِمَ عَلَيْهَا: وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ أَيْ: حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ) : أَيِ الْجَانِيَةُ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهَا ; لِأَنَّ الْغُرَّةَ عَلَى عَاقِلَتِهَا بِكُلِّ حَالٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْجَانِيَةَ عَلَى الْجَنِينِ مَاتَتْ. (فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مِيرَاثَهَا) : أَيْ تَرِكَةَ الْجَانِيَةِ (لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَالْعَقْلَ) : بِالنَّصْبِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ وَلَا مَعْنَى لَهُ أَيْ: وَقَضَى بِأَنَّ دِيَةَ الْجَنِينِ (عَلَى عَصَبَتِهَا) : أَيْ عَاقِلَتِهَا. قِيلَ: دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى الْعَصَبَةِ دُونَ الْأَبْنَاءِ وَالْآبَاءِ لَكِنَّ هَذَا إِذَا كَانَتِ الْقِصَّةُ فِي الْحَدِيثَيْنِ. أَعْنِي: هَذَا وَالْآتِي مُخْتَلِفَةً مُتَعَدِّدَةً لَا مُتَّفِقَةً مُتَّحِدَةً عَاقِلَتُهَا.

وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْعَقْلُ هُوَ الدِّيَةُ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنَ الْعَقْلِ وَهُوَ الشَّدُّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاتِلَ كَانَ يَأْتِي بِالْإِبِلِ فَيَعْقِلُهَا فِي فَنَاءِ الْمَقْتُولِ، وَبِهِ سُمِّيَتِ الْعَصَبَةُ الَّتِي تَحْمِلُ الْعَقْلَ عَاقِلَةً. وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِهِ عَاقِلَةً لِأَنَّهُ مِنَ الْمَنْعِ، وَالْعَقْلُ هُوَ الْمَنْعُ، وَبِهِ سُمِّيَ الْعَقْلُ الْمُرَكَّبُ فِي الْإِنْسَانِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ عَمَّا لَا يَحْسُنُ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْجَنِينِ هِيَ الْغُرَّةُ سَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَسَوَاءٌ كَانَ كَامِلَ الْخِلْقَةِ أَوْ نَاقَصَهَا إِذَا تَصَوَّرَ فِيهَا خَلْقًا آدَمِيًّا، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْجَنِينَ قَدْ يَخْفَى، فَيَكْثُرُ فِيهِ النِّزَاعُ فَضَبَطَهُ الشَّرْعُ بِمَا يَقْطَعُ النِّزَاعَ، ثُمَّ الْغُرَّةُ تَكُونُ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ جَمِيعِهِمْ، وَهَذَا شَخْصٌ يُورَثُ وَلَا يُوَرَّثُ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ نَظِيرٌ إِلَّا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ، فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ عِنْدَنَا، وَلَكِنْ يُورَثُ عَلَى الْأَصَحِّ، هَذَا إِذَا انْفَصَلَ الْجَنِينُ مَيِّتًا فَإِنِ انْفَصَلَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَيُحَبُّ فِيهِ كَمَالُ دِيَةِ الْكَبِيرِ، فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا وَجَبَ مِائَةُ بَعِيرٍ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى خَمْسُونَ، وَسَوَاءٌ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَمَتَى وَجَبَتِ الْغُرَّةُ وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا عَلَى الْجَانِي قَالَ الْعُلَمَاءُ: قَوْلُهُ ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِلَخْ قَدْ يُوهِمُ خِلَافَ مُرَادِهِ، فَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي مَاتَتْ هِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهَا أُمُّ الْجَنِينِ لَا الْجَانِيَةُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ يَعْنِي بِهِ الْآتِي، فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ أَيِ الَّتِي قَضَى لَهَا بِالْغُرَّةِ، فَعَبَّرَ بِعَلَيْهَا عَنْ لَهَا، وَالْحَرَجُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى حَجَرٍ صَغِيرٍ لَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ غَالِبًا، فَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ يَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَيْسَ عَلَى الْجَانِي قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجَمَاهِيرِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>