وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَذَاهِبِ غَيْرِهِ، وَمُجْمَلُهُ أَنَّ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ عِنْدَنَا سَوَاءٌ فِي الْكُبْرَى ضَرَبَ رَجُلًا بِصَخْرَةٍ فَمَاتَ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، قِيلَ لِأَبِي حَنِيفَةَ: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَتْ صَخْرَةً عَظِيمَةً؟ فَقَالَ: وَإِنْ ضَرَبَهُ بِجَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ، وَقِيلَ: لَفْظُ أَبِي حَنِيفَةَ بِجَبَلِ أَبَا قُبَيْسٍ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ، وَهَذَا اللَّفْظُ مِمَّا أَخَذَهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي عِلْمِ الْإِعْرَابِ، فَقَالَ: الصَّوَابُ بِجَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ. قَالَ الْقُدُورِي رَحِمَهُ اللَّهُ: لَمْ يَثْبُتْ هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي كِتَابِهِ، فَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ لُغَةُ بَعْضِ الْعَرَبِ ; لِأَنَّ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ يَقُولُونَ بِهَا. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: ٦٣] . وَقَالَ الْقَائِلُ:
إِنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا ... قَدْ بَلَغَ فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا
وَلِأَنَّ اللَّفْظَ إِذَا تَعَارَفَهُ الْعَامُّ صَحَّ لِلْمُتَكَلِّمِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ خَلَلٍ إِذَا كَانَ قَصْدُهُ تَفْهِيمَ الْعَامَّةِ أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي مَوَاضِعَ لَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّ ذَلِكَ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ اهـ. وَنَظِيرُهُ مَا اشْتُهِرَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ اسْمَهُ عَلِيَّ بْنَ أَبُو طَالِبٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَقَاصِدِ وَالْمَطَالِبِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَنَظِيرُ التَّعْبِيرِ بِعَلَيْهَا عَنْ لَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣] أَيْ لَكُمْ بِتَضْمِينِ مَعْنَى الرَّقِيبِ، فَالْمَعْنَى فَحَفِظَ عَلَيْهَا حَقَّهَا قَاضِيًا لَهَا بِالْغُرَّةِ، فَعَلَى هَذَا الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ يَعْنِي فِي الْحَدِيثِ الْآتِي. عَلَى عَاقِلَتِهَا لِلْجَانِيَةِ، وَفِي وَرَثَتِهَا لِلدِّيَةِ، وَفِي وَلَدِهَا لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهَا، وَجُمِعَ الضَّمِيرُ فِي مَعَهُمْ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ وَمَنْ مَعَهُمْ هُوَ الزَّوْجُ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ: بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، هَذَا إِذَا كَانَ الْحَدِيثَانِ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ فِي قَضِيَّتَيْنِ فَالْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: قَضَى عَلَيْهَا هِيَ الْجَانِيَةُ، فَيَكُونُ مِيرَاثُهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَالدِّيَةُ عَلَى عَصَبَتِهَا اهـ. وَالْأَخِيرُ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مِنْ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute