٣٤٩٦ - وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا شِدَّةً، الْمُؤْمِنُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ يَرُدُّ سَرَايَاهُمْ عَلَى قَعِيدَتِهِمْ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، دِيَةُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ، وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ إِلَّا فِي دُورِهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: دِيَةُ الْمُعَاهِدِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
٣٤٩٦ - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ) : أَيْ: سَنَةَ فَتْحِ مَكَّةَ (ثُمَّ قَالَ) : أَيْ: بَعْدَ خُطْبَتِهِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ الْمُقْتَضِيَةِ لِمَرْتَبَةِ الْجَمْعِ بِالْحُضُورِ مَعَ رَبِّ السَّمَاءِ وَهُوَ الْكَمَالُ الْإِنْسَانِيُّ بِالْفَضْلِ الرَّبَّانِيِّ انْتَقَلَ إِلَى تَنَزُّلِ مَرْتَبَةِ التَّفْرِقَةِ تَكْمِيلًا لِلنَّاقِصِينَ، وَتَحْمِيلًا لِلْكَامِلِينَ عَامِلًا بِقَضِيَّةِ كَلِمِ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ فِي طَلَبِ أُصُولِهِمْ وَفُصُولِهِمْ، فَقَالَ (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ) : أَيِ: الشَّأْنَ (لَا حِلْفَ) : بِكَسْرِ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ فَسُكُونِ لَامٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَيْ: لَا إِحْدَاثَ لِلْمُعَاهَدَةِ بَيْنَ قَوْمٍ (فِي الْإِسْلَامِ وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا شِدَّةً) : قَالَ بَعْضُهُمْ: الْحِلْفُ الْعَهْدُ، وَمِنْهُ حَالَفَهُ عَاهَدَهُ، وَتَحَالَفُوا تَعَاهَدُوا، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَعَاهَدُونَ عَلَى التَّوَارُثِ وَالتَّنَاصُرِ فِي الْحُرُوبِ، وَأَدَاءِ الضَّمَانَاتِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِحْدَاثِهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَقَرَّ مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفَاءً بِالْعُهُودِ وَحِفْظًا لِلْحُقُوقِ وَالذِّمَامِ، وَتَوْضِيحُهُ مَا قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَلَخَّصَهُ الْقَاضِي: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَعَاهَدُونَ فَيَتَعَاقَدُ الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ وَيَقُولُ لَهُ: دَمِي دَمُكَ وَهَدْمِي هَدْمُكَ وَثَأْرِي ثَأْرُكَ وَحَرْبِي حَرْبُكَ، وَسِلْمِي سِلْمُكَ تَرِثُنِي وَأَرِثُكَ، وَتُطْلَبُ بِي وَأُطْلَبُ بِكَ، وَتَعْقِلُ عَنِّي وَأَعْقِلُ عَنْكَ، فَيَعُدُّونَ الْحَلِيفَ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ دَخَلَ فِي حِلْفِهِمْ، وَيُقَرِّرُونَ لَهُ وَعَلَيْهِ مُقْتَضَى الْحَلِفِ وَالْمُعَاقَدَةِ غُنْمًا وَغُرْمًا، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ قَرَّرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَصَالِحَ مِنْ حَقْنِ الدِّمَاءِ وَالنَّصْرِ عَلَى الْأَعْدَاءِ، وَحِفْظِ الْعُهُودِ وَالتَّأْلِيفِ بَيْنَ النَّاسِ، حَتَّى كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ فَنَفَى مَا أُحْدِثَ فِي الْإِسْلَامِ لِمَا فِي رَابِطَةِ الدِّينِ مِنَ الْحَثِّ عَلَى التَّعَاضُدِ وَالتَّعَاوُنِ مَا نَعَتَهُمْ مِنَ الْمُخَالَفَةِ، وَقَرَّرَ مَا صَدَرَ عَنْهُمْ فِي أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَاءً بِالْعُهُودِ وَحِفْظًا لِلْحُقُوقِ وَلَكِنْ نُسِخَ مِنْ أَحْكَامِهِ التَّوَارُثُ وَتَحَمُّلُ الْجِنَايَاتِ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِأَشْخَاصٍ مَخْصُوصَةٍ، وَارْتِبَاطِهِ بِأَسْبَابٍ مُعَيَّنَةٍ مَعْدُودَةٍ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَجْهًا آخَرَ حَيْثُ قَالَ: أَصْلُ الْحِلْفِ الْمُعَاقَدَةُ وَالْمُعَاضَدَةُ عَلَى التَّعَاهُدِ وَالتَّسَاعُدِ وَالْإِنْفَاقِ، فَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى الْفِتَنِ وَالْقِتَالِ وَالْغَارَاتِ، فَذَلِكَ الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ: (لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ) وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى نُصْرَةِ الْمَظْلُومِ، وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَنَحْوِهَا فَذَلِكَ الَّذِي قَالَ فِيهِ وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute