مَعْنَاهُمَا فِي بَابِ الزَّكَاةِ، وَيُتَصَوَّرَانِ فِي السِّبَاقِ أَيْضًا (وَلَا يُؤْخَذُ) : بِالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ (صَدَقَاتُهُمْ إِلَّا فِي دُورِهِمْ) : بِضَمِّ دَالٍ وَسُكُونِ وَاوٍ جَمْعُ دَارٍ أَيْ فِي مَنَازِلِهِمْ. قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَوْ جُعِلَتِ الْوَاوُ كَمَا فِي قَوْلِكَ: جَاءَ زَيْدٌ وَذَهَبَ عَمْرٌو، يَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ بِمَا يُغَايِرُهُ مِنَ السِّبَاقِ فِي الْخَيْلِ، فَإِنَّ الْجَلَبَ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى الصَّوْتِ وَالزَّجْرِ لِيَزِيدَ فِي شَأْنِهِ وَالْجَلَبُ يَعْنِي جَلَبَ فَرَسٍ آخَرَ فِي جَنَبِ فَرَسِهِ، وَلَوْ جُعِلَتْ كَمَا فِي قَوْلِكَ: جَاءَ زَيْدٌ وَذَهَبَ عَمْرٌو يَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ بِمَا يَقَعُ مُبَيِّنًا لَهُ فَالْجَلَبُ هُوَ أَنْ يَنْزِلَ السَّاعِي مَوْضِعًا وَيَبْعَثَ إِلَى أَرْبَابِ الْمَوَاشِي لِيَجْلِبُوا إِلَيْهِ مَوَاشِيَهُمْ فَيَأْخُذَ صَدَقَاتِهِمْ. وَالْجَلَبُ هُوَ أَنْ يَبْعُدَ أَرْبَابُ الْمَوَاشِي عَنْ مَوَاضِعِهِمْ فَيَشُقَّ عَلَى الْمُصَدِّقِ طَلَبُهُمْ وَلَوْ جُعِلَ الْوَاوُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ} [النمل: ١٥] لَمْ يَبْعُدْ فَيُجْعَلُ قَوْلُهُ: (وَلَا يُؤْخَذُ صَدَقَاتُهُمْ) مُبَيِّنًا عَنْ قَوْلِهِ (لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ) بِأَنْ يُخْبِرَ عَنِ الْأَمْرَيْنِ وَيُفَوِّضَ التَّرْتِيبَ إِلَى الذِّهْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: (دِيَةُ الْمُعَاهِدِ) : بِكَسْرِ الْهَاءِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا أَيِ: الذِّمِّيِّ (نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ) : أَيِ: الْمُسْلِمِ (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) : وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. قَالَ الشَّمَنِيُّ: مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ لِمَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُدَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( «دِيَةُ الْمُعَاهِدِ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ» ) وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ: ( «دِيَةُ عَقْلِ الْكَافِرِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِ» ) . وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ: ( «عَقْلُ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى» ) وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ: ( «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ عَقْلَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى» ) وَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «إِنَّ دِيَةَ الْمُعَاهِدِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ» ) وَفِي كِتَابِ الرَّحْمَةِ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ فِي نَفْسِهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ. وَأَمَّا فِي الْجِرَاحِ، فَعَلَى النِّصْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَعِنْدَ غَيْرِهِمَا عَلَى التَّسَاوِي وَفِيهِ تَفْصِيلٌ. وَقَالَ الشَّمَنِيُّ: وَالدِّيَةُ لِلْمَرْأَةِ نِصْفُ مَا لِلرَّجُلِ فِي النَّفْسِ أَوْ مَا دُونَهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُخْتَارِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَابْنُ سِيرِينَ لِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «دِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ» ) . وَمَا أَخْرَجَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: عَقْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عَقْلِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا دُونَ الثُّلْثِ لَا يَتَنَصَّفُ وَكَذَا الثُّلْثُ. قَالَ فِي الْقَدِيمِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ، وَالْأَعْرَجِ، وَرَبِيعَةَ وَمَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ الرَّمْلِيِّ، عَنْ ضَمْرَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( «عَقْلُ الْمَرْأَةِ مِثْلُ عَقْلِ الرَّجُلِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَقْلُ الثُّلْثَ مِنْ دِيَتِهَا» ) وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: جِرَاحَاتُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِلَى الثُّلْثِ فَمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ الْمُسَيَّبِ: كَمْ فِي أُصْبُعِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: عِشْرُونَ. قَالَ: كَمْ فِي الِاثْنَيْنِ. قَالَ: عِشْرُونَ. قَالَ: كَمْ فِي ثَلَاثٍ؟ قَالَ: ثَلَاثُونَ. قَالَ: كَمْ فِي أَرْبَعٍ؟ قَالَ: عِشْرُونَ. فَقَالَ رَبِيعَةُ: حِينَ عَظُمَ جُرْحُهَا وَاشْتَدَّتْ مُصِيبَتُهَا نَقَصَ عَقْلُهَا. قَالَ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ قَالَ رَبِيعَةُ: عَالِمٌ تُثْبِتُ أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ. قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي! إِنَّهَا السُّنَّةُ. وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ عَنِ الْحِجَازِيِّينَ ضَعِيفٌ، وَابْنَ جُرَيْجٍ حِجَازِيٌّ، وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَعَنِ الثَّالِثِ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي آخِرِهِ: كُنَّا نَقُولُ بِهِ ثُمَّ رَجَعْتُ عَنْهُ، وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ الْخَيْرَ وَإِنَّا لَا نَجِدُ مَنْ يَقُولُ السُّنَّةَ، ثُمَّ لَا نَجِدُ نَفَاذًا بِهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقِيَاسُ أَوْلَى بِنَافِيهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute