للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(٢) بَابُ الْقَسَامَةِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٣٥٣١ - عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَسَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُمَا حَدَّثَا «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ أَتَيَا خَيْبَرَ، فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ، فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمْ فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَبِّرِ الْكُبْرَ) - قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: يَعْنِي لِيَلِيَ الْكَلَامَ الْأَكْبَرُ - فَتَكَلَّمُوا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَحِقُّوا قَتِيلَكُمْ أَوْ قَالَ صَاحِبَكُمْ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْرٌ لَمْ نَرَهُ قَالَ: فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ فِي أَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْمٌ كُفَّارٌ فَفَدَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ أَوْ صَاحِبَكُمْ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ بِمِائَةِ نَاقَةٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

[٢]- بَابُ الْقَسَامَةِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَهِيَ أَيْمَانٌ تُقْسَمُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّتِي وُجِدَ الْقَتِيلُ فِيهَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُقْسَمُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْمُدَّعِينَ لِدَمِهِ عِنْدَ جَهَالَةِ الْقَاتِلِ، كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا وَفِي الْمُغْرِبِ: الْقَسَمُ الْيَمِينُ، يُقَالُ: أَقْسَمَ بِاللَّهِ أَقْسَامًا وَالْقَسَامَةُ اسْمٌ مِنْهُ وُضِعَ مَوْضِعَ الْأَقْسَامِ، ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ يُقْسِمُونَ قَسَامَةً وَقِيلَ: هِيَ الْأَيْمَانُ تُقْسَمُ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الدَّمِ. قَالَ الشَّمَنِيُّ: الْقَسَامَةُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرٌ لِأَقْسَمَ، أَوِ اسْمٌ لِمَصْدَرِهِ، وَقِيلَ: أَهْلُ اللُّغَةِ يَذْهَبُونَ إِلَى أَنَّهَا الْقَوْمُ الَّذِينَ يَحْلِفُونَ سُمُّوا بِاسْمِ الْمَصْدَرِ، كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ عَدْلٌ وَسَبَبُهَا وُجُودُ الْقَتْلِ فِي الْمَحَلَّةِ، وَأَمَّا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَرُكْنَهَا. قَوْلُهُمْ: بِاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا، وَشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُقْسِمُ رَجُلًا حُرًّا عَاقِلًا، وَقَالَ مَالِكٌ: يَدْخُلُ النِّسَاءُ فِي قَسَامَةِ الْخَطَأِ دُونَ الْعَمْدِ، وَحُكْمُهَا الْقَضَاءُ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ بَعْدَ الْحَلِفِ سَوَاءٌ كَانَتِ الدَّعْوَى فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ أَوِ الْخَطَأِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: صُورَةُ قَتِيلِ الْقَسَامَةِ أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ وَادَّعَى وَلِيُّهُ عَلَى رَجُلٍ أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ قَتْلَهُ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ لَوْثٌ ظَاهِرٌ، وَهُوَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الْمُدَّعِي كَأَنْ وَجَدَ فِي مَحَلَّتِهِمْ وَكَانَ بَيْنَ الْقَتِيلِ وَبَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: حَدِيثُ الْقَسَامَةِ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ، وَقَاعِدَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ، وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ وَبِهِ أَخَذَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ بِهِ، وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ إِبْطَالُ الْقَسَامَةِ وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَا فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا هَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِهَا أَمْ لَا فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: يَجِبُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ: لَا يَجِبُ بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ. فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ: يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ وَيَجِبُ الْحَقُّ بِحَلِفِهِمْ. وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: يُسْتَحْلَفُ خَمْسُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَيَتَحَرَّاهُمُ الْوَلِيُّ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَمَا عَلِمْنَا قَاتِلَهُ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا قَضَى عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِمْ بِالدِّيَةِ.

٣٥٣١ - (عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) : بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ: يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثِيَّ الْأَنْصَارِيَّ، «أَصَابَهُ سَهْمٌ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنَا شَهِيدٌ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ) وَانْفَضَّتْ جِرَاحَتُهُ زَمَنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَمَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُونَ سَنَةً، رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ (وَسَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ) : بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ مُثَلَّثَةٍ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ الصَّحَابَةِ: يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ وَأَبَا عُمَارَةَ الْأَنْصَارِيَّ الْأَوْسِيَّ، وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ. (أَنَّهُمَا حَدَّثَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ) : قَالَ الْمُؤَلِّفُ: هُوَ الْأَنْصَارِيُّ الْحَارِثِيُّ، أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنُ أَبِي مُحَيِّصَةَ، وَهُوَ الْمَقْتُولُ بِخَيْبَرَ، وَذَكَرَهُ فِي الْقَسَامَةِ. (وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ) : بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ: إِنَّهُ أَنْصَارِيٌّ حَارِثِيٌّ يُعَدُّ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، شَهِدَ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَمَا بَعْدَهُمَا مِنَ الْمَشَاهِدِ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ سَعْدٌ. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ مُشَدَّدَتَيِ الصَّادِ صَحَابِيَّانِ. وَقَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ، فِي حَاشِيَةِ الْمُوَطَّأِ: إِنَّ تَشْدِيدَ الْيَاءِ فِيهِمَا أَشْهَرُ اللُّغَتَيْنِ، وَفِي التَّقْرِيبِ: يَجُوزُ فِيهِمَا تَشْدِيدُ الْبَاءِ مَكْسُورَةً، وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا سَاكِنَةً، وَالْأَشْهَرُ التَّشْدِيدُ. قُلْتُ: وَعَلَيْهِ النُّسَخُ الْمُصَحَّحَةُ وَالْأُصُولُ الْمُعْتَمَدَةُ. (أَتَيَا خَيْبَرَ، فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ) : اسْمُ جِنْسٍ بِمَعْنَى النَّخِيلِ (فَقُتِلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ) : أَيْ: أَخُو الْقَتِيلِ (وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ) : وَهُمَا مِنْ أَوْلَادِ أَعْمَامِ الْمَقْتُولِ (إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَكَلَّمُوا) : أَيْ: أَرَادُوا التَّكَلُّمَ إِلَى أَمْرِ صَاحِبِهِمْ) : أَيْ: قَتِيلِهِمْ (فَبَدَأَ) : أَيْ: بِالْكَلَامِ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ) : أَيْ: مِنَ الثَّلَاثَةِ (فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَبِّرِ الْكُبْرَ) : بِضَمٍّ فَسُكُونٍ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: أَيْ: عَظِّمْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْكَ يَعْنِي

<<  <  ج: ص:  >  >>