للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَدِّمْهُ بِالْكَلَامِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَيْ عَظِّمْهُمْ بِتَفْوِيضِ الْكَلَامِ إِلَيْهِمْ، وَفِي رِوَايَةٍ الْكُبْرَ الْكُبْرَ أَيْ كَبِّرِ الْكُبْرَ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الْكُبْرَ الْكُبْرَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ: فُلَانٌ كَبُرَ قَوْمَهُ إِذَا كَانَ أَقْعَدَهُمْ فِي النَّسَبِ وَهُوَ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى جَدِّهِ الْأَكْبَرِ إِرْشَادًا إِلَى الْأَدَبِ فِي تَقْدِيمِ الْأَسَنِّ، وَرُوِيَ كَبِّرِ الْكُبْرَ أَيْ قَدِّمِ الْأَكْبَرَ (قَالَ: يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) أَيِ الرَّاوِي (يَعْنِي) أَيْ يُرِيدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ كَبِّرِ الْكُبْرَ (لِيَلِيَ الْكَلَامَ) بِالنَّصْبِ (الْأَكْبَرُ) بِالرَّفْعِ مِنْ وَلِيَ الْأَمْرَ وَتَوَلَّاهُ إِذَا فَعَلَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ هَذَا وَفِي النُّسَخِ لِيَلِيَ بِكَسْرِ اللَّامَيْنِ وَفَتْحِ الْيَاءَيْنِ وَالظَّاهِرُ سُكُونُ الْيَاءِ الْأَخِيرَةِ، وَمَعَ هَذَا يُحْمَلُ عَلَى لُغَةِ مَنْ لَمْ يَحْذِفْ حَرْفَ الْعِلَّةِ فِي الْمَجْزُومِ وَهَذَا إِذَا كَانَتِ الْجُمْلَةُ مَعْنَى كَبِّرِ الْكُبْرَ وَاللَّامُ لِلْأَمْرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لِلْعِلَّةِ وَالتَّقْدِيرُ إِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَبِّرِ الْكُبْرَ، لِيَلِيَ الْكَّلَامَ الْأَكْبَرُ فَحِينَئِذٍ لَا إِشْكَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: فِيهِ أَنَّ الْأَكْبَرَ أَحَقُّ بِالْإِكْرَامِ وَبِالْبَدَاءَةِ بِالْكَلَامِ، وَجَوَازُ الْوَكَالَةِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْحُدُودِ وَجَوَازُ وَكَالَةِ الْحَاضِرِ ; لِأَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ أَخُو الْقَتِيلِ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا عَمِّهِ (فَتَكَلَّمُوا) أَيْ فَتَكَلَّمَ كَبِيرُهُمْ فِي قَتِيلِهِمْ (قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَحِقُّوا) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ تَغْلِيبًا لِلْوَارِثِ عَلَى غَيْرِهِ (قَتِيلَكُمْ) أَيْ دِيَتَهُ أَوْ قِصَاصَهُ، وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ أَئِمَّتِنَا وَمَنْ تَبِعَهُمْ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَالثَّانِي قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَوْ قَالَ صَاحِبَكُمْ) شَكَّ الرَّاوِي (أَيْمَانُ خَمْسِينَ) بِالْإِضَافَةِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّنْوِينِ (مِنْكُمْ) فِيهِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْيَمِينِ فِي الْقَامَةِ بِالْمُدَّعِي وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَهَذَا حُكْمٌ خَاصٌّ بِهَا لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا سَائِرُ الْأَحْكَامِ وَلِلشَّارِعِ أَنْ يَخُصَّ وَعِنْدَنَا يُبْدَأُ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى قَضِيَّةِ سَائِرِ الدَّوَاعِي كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا وَفِيهِ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا كَانَ بِطَرِيقِ الْإِفْتَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا بِطْرِيقِ الْحُكْمِ لِعَدَمِ حُضُورِ الْخَصْمِ حِينَئِذٍ ; وَلِذَا قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَقْتُولُ عَبْدُ اللَّهِ وَلَهُ أَخٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَهُمَا ابْنَا عَمٍّ وَهُمَا مُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ وَهُمَا أَكْبَرُ سِنًّا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا أَرَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو الْقَتِيلِ أَنْ يَتَكَلَّمَ قِيلَ لَهُ: كَبِّرِ الْكُبْرَ. أَيْ لِيَتَكَلَّمْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْكَ، وَحَقِيقَةُ الدَّعْوَى إِنَّمَا هِيَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ لَا حَقَّ فِيهَا لِابْنَيْ عَمِّهِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْأَكْبَرُ وَهُوَ حُوَيِّصَةُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ بِكَلَامِهِ حَقِيقَةَ الدَّعْوَى بَلْ سَمَاعَ صُورَةِ الْقَضِيَّةِ فَإِذَا أُرِيدَ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى تَكَلَّمَ صَاحِبُهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكَّلَ حُوَيِّصَةَ فِي الدَّعْوَى، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ عُرِضَتِ الْيَمِينُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَالْوَارِثُ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ خَاصَّةً، وَالْيَمِينُ عَلَيْهِ وَالْجَوَابُ أَطْلَقَ الْجَوَابَ ; لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَبِسٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْوَارِثُ كَمَا سَمِعَ كَلَامَ الْجَمْعِ فِي صُورَةِ الْقَتْلِ وَكَيْفِيَّةَ مَا جَرَى لَهُ وَإِنْ كَانَتْ حَقِيقَةُ الدَّعْوَى وَقْتَ الْحَاجَةِ مُخْتَصَّةٌ بِالْوَارِثِ، وَفِيهِ فَضِيلَةُ السِّنِّ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْفَضَائِلِ كَالْإِمَامَةِ وَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْرٌ) أَيْ صُدُورُ الْقَتْلِ أَمْرٌ (لَمْ نَرَهُ) أَيْ لَمْ نُبْصِرْهُ أَوْ لَمْ نَعْلَمْهُ (قَالَ: فَتُبَرِّئُكُمْ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا (يَهُودُ) أَيْ فَيَحْلِفُ الْيَهُودُ لِتُبَرِّيَكُمْ مِنْ أَنْ تَحْلِفُوا (فِي أَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ) بِالْإِضَافَةِ وَتَرْكِهَا قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: قِيلَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ تِلْكَ الْيَمِينِ إِذَا نَكَلَ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ بَلْ تُرَدُّ عَلَى الْآخَرِ وَعَلَى أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَهُوَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي تَحْلِيفِهِمْ عِنْدَ تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَيْهِمْ وَبَرَاءَتِهِمْ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُقْبَلُ أَيْمَانُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَشَهَادَتِهِمْ قَالَ الْقَاضِي: يُرِيدُ بِاسْتِحْقَاقِ الْيَمِينِ اسْتِحْقَاقَ دِيَتِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ حَثْمَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ تُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ» ، فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي وَيَسْتَحِقُّ دِيَةَ قَتِيلِهِ دُونَ الْقِصَاصِ لِضَعْفِ الْحُجَّةِ، فَإِنَّ الْيَمِينَ ابْتِدَاءٌ دَخِيلٌ فِي الْإِثْبَاتِ، وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي بَلْ يَخْتَارُ الْإِمَامُ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ صُلَحَاءِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا الْقَتِيلُ وَحَصَلَ اللَّوْثُ فِي حَقِّهِمْ وَيُحَلِّفُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ مَا قَتَلُوهُ وَلَا عَرَفُوا لَهُ قَتِيلًا، ثُمَّ يَأْخُذُ الدِّيَةَ مِنْ أَرْبَابِ الْخُطَّةِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَمِنْ سُكَّانِهَا، وَهُوَ يُخَالِفُ الْحَدِيثَ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ كُلُّهَا مُتَطَابِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالْمُدَّعِينَ، وَجَعَلَ يَمِينَ الرَّدِّ عَلَى يَهُودَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ: فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ فِي أَيْمَانِ خَمْسِينَ، فَإِيجَابُ الدِّيَةِ مَعَهَا يُخَالِفُ النَّصَّ وَالْقِيَاسَ أَيْضًا، إِذْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأُصُولِ الْيَمِينُ مَعَ الْغَرَامَةِ، بَلْ إِنَّمَا شُرِعَتْ لِلْبَرَاءَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحَلِفُ أَوَّلًا فَلَمْ يَحْلِفْ رُدَّ الْحَلِفُ عَلَى الْآخَرِ وَإِنَّ مَنْ تُوَجَّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ حَلَفَ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تُقْبَلُ أَيْمَانُ الْكَفَرَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْمٌ كُفَّارٌ) أَيْ هُمْ قَوْمٌ كَفَرَةٌ لَا تُقْبَلُ أَيْمَانُهُمْ أَوْ كَيْفَ تُعْتَبَرُ أَيْمَانُهُمْ (فَفَدَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ أَعْطَاهُمُ الْفِدَاءَ (مِنْ قِبَلِهِ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ أَيْ مِنْ عِنْدِهِ لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ قَالَ الْقَاضِي: وَإِنَّمَا وَدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِهِ أَيْ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ كَرِهَ إِبْطَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>