للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

اتَّفَقْتَ مَعَهُ بِمَا عَرَضَ عَلَى جَنَابِكَ فَاقْضِ فَوَضَعَ كَلِمَةَ التَّصْدِيقِ مَوْضِعَ الشَّرْطِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَقَالَ: وَإِنَّمَا سَأَلَ الْمُتَرَافِعَانِ أَنْ يُحْكَمَ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ اللَّهِ وَمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ إِلَّا بِحُكْمِ اللَّهِ لِيُفْصَلَ مَا بَيْنَهُمْ بِالْحُكْمِ الصِّرْفِ لَا بِالتَّصَالُحِ وَالتَّرْغِيبِ فِيمَا هُوَ الْأَرْفَقُ بِهِمَا إِذْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَلَكِنْ بِرِضَا الْخَصْمَيْنِ (وَأْذَنْ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ تَكَلَّمْ قَالَ إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا) أَيْ أَجِيرًا ثَابِتَ الْأُجْرَةِ (عَلَى هَذَا) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَإِنَّمَا قَالَ عَلَى هَذَا لِمَا يَتَوَجَّهْ لِلْأَجِيرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأُجْرَةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ عَسِيفًا لِهَذَا لِمَا يَتَوَجَّهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهِ مِنَ الْخِدْمَةِ وَالْعَمَلِ قَالَ الطِّيبِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى هَذَا صِفَةٌ مُمَيِّزَةٌ لِلْأَجِيرِ أَيْ أَجِيرًا ثَابِتَ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِذَا لَابَسَ الْعَمَلَ وَأَتَمَّهُ وَلَوْ قِيلَ لِهَذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ (فَزَنَى) أَيِ الْأَجِيرُ (بِامْرَأَتِهِ) أَيِ الْمُسْتَأْجِرِ (فَأَخْبَرُونِي) أَيْ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ (أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ) وَفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ السُّؤَالُ مِنَ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ (فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ) أَيْ وَلَدِي (بِمِائَةِ شَاةٍ وَبِجَارِيَةٍ لِي) أَيْ أَعْطَيْتُهُمَا فِدَاءً وَبَدَلًا عَنْ رَجْمِ وَلَدِي (ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ) أَيْ كُبَرَاءَهُمْ وَفُضَلَاءَهُمْ (فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ ضَرْبَ مِائَةِ جَلْدَةٍ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُحْصَنٍ (وَتَغْرِيبَ عَامٍ) أَيْ إِخْرَاجَهُ عَنِ الْبَلَدِ سَنَةً (وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ) أَيْ لِأَنَّهَا مُحْصَنَةٌ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ بِمَعْنَى أَلَا لِلتَّنْبِيهِ (وَالَّذِي نَفْسِي) أَيْ ذَاتِي أَوْ رُوحِي (بِيَدِهِ) أَيْ بِقَبْضَةِ قُدْرَتِهِ وَحَيِّزِ إِرَادَتِهِ (لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ) وَقِيلَ: الرَّجْمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ صَرِيحًا لِنَسْخِ آيَةِ الرَّجْمِ لَفْظًا لَكِنَّهُ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء: ١٦] وَالْأَذَى يُطْلَقُ عَلَى الرَّجْمِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُقُوبَاتِ هَذَا وَقَدْ فُصِّلَ الْحُكْمُ الْمُجْمَلُ فِي قَوْلِهِ لَأَقْضِيَنَّ بِقَوْلِهِ (أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ) أَيْ مَرْدُودٌ إِلَيْكَ (وَأَمَّا ابْنُكَ فَعَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ) بِالْإِضَافَةِ وَفِي نُسْخَةٍ بِتَنْوِينِ جَلْدٍ وَنَصْبِ مِائَةٍ عَلَى التَّمْيِيزِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ فِعْلَيْهِ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ بِإِقْرَارٍ أَوْ شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ (وَتَغْرِيبَ عَامٍ) هَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَمَنْ لَمْ يَرَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَأَئِمَّتِنَا يُحْمَلُ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ وَيَقُولُ: لَيْسَ التَّغْرِيبُ بِطَرِيقِ الْحَدِّ، بَلْ بِطَرِيقِ الْمَصْلَحَةِ الَّتِي رَآهَا الْإِمَامُ مِنَ السِّيَاسَةِ، وَقِيلَ إِنَّهُ كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] (وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ) تَصْغِيرُ أَنَسٍ وَهُوَ ابْنُ الضَّحَّاكِ الْأَسْلَمِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَسْمَائِهِ (فَاغْدُ) بِضَمِّ الدَّالِّ وَهُوَ أَمْرُ الذَّهَابِ فِي الْغُدْوَةِ كَمَا أَنَّ رُحْ أَمْرٌ بِالذَّهَابِ فِي الرَّوَاحِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ كُلٌّ فِي مَعْنِي الْآخَرِ أَيْ فَاذْهَبْ (عَلَى امْرَأَةِ هَذَا) أَيْ إِلَيْهَا وَفِيهِ تَضْمِينٌ أَيْ حَاكِمًا عَلَيْهِ (فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا) بِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْإِقْرَارِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّقَ رَجْمَهَا بِاعْتِرَافِهَا وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْأَرْبَعَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمَعْنَى فَإِنِ اعْتَرَفَتِ الْمَعْهُودَ وَهُوَ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ فَارْجُمْهَا (فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا) قَالَ الطِّيبِيُّ: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِفْتَاءِ فِي زَمَانِهِ فَإِنَّ أَبَا الْعَسِيفِ قَالَ: سَأَلَتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي إِلَخْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ وَأَنَّ حَدَّ الْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَإِنَّ حُضُورَ الْإِمَامِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي إِقَامَتِهَا فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أُنَيْسًا لَهَا وَإِنَّ الِاسْتِنَابَةَ فِيهَا جَائِزَةٌ قُلْتُ: فَحُضُورُهُ حُضُورُهُ فَلَمْ يَتِمَّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّ بَعْثَ أُنَيْسٍ إِلَيْهَا مَحْمُولٌ عَلَى إِعْلَامِهَا بِأَنَّ أَبَا الْعَسِيفِ قَذَفَهَا بِابْنِهِ فَيُعَرِّفُهَا بِأَنَّ لَهَا عِنْدَهُ حَدَّ الْقَذْفِ هَلْ هِيَ طَالِبَةٌ بِهِ أَمْ تَعْفُو عَنْهُ أَوْ تَعْتَرِفُ بِالزِّنَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَلَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ وَعَلَيْهَا الرَّجْمُ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُحْصَنَةً وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ ; لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ بُعِثَ لِطَلَبِ إِقَامَةِ حَدِّ الزِّنَا وَتَجَسُّسِهِ وَهَذَا غَيْرُ مُرَادٍ ; لِأَنَّ حَدَّ الزِّنَى لَا يُتَجَسَّسُ وَلَا يُنَقَّرُ عَنْهُ بَلْ لَوْ أَقَرَّ بِهِ الزَّانِي اسْتَحَبَّ أَنْ يُلَقَّنَ الرُّجُوعَ كَمَا سَيَجِيءُ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَصْبِرَ عَلَى قَوْلِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ اقْضِ بِالْحَقِّ وَنَحْوَ ذَلِكَ إِذَا تَعَدَّى عَلَيْهِ خَصْمُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>