للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

إِرَادَةِ اللُّغَاتِ مَعَ أَنَّ مُجَرَّدَ وُرُودِ اللُّغَةِ لَا يَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِدُونِ الرِّوَايَةِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهَا الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ الَّتِي اخْتَارَهَا الْأَئِمَّةُ السَّبْعَةُ، وَقِيلَ: أَجْنَاسُ الِاخْتِلَافَاتِ الَّتِي يَئُولُ إِلَيْهَا اخْتِلَافُ الْقِرَاءَاتِ فَإِنَّ اخْتِلَافَهَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمُفْرَدَاتِ أَوِ الْمُرَكَّبَاتِ، وَالثَّانِي كَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، مِثْلَ: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق: ١٩] ، وَ " جَاءَتْ سَكْرَةُ الْحَقِّ بِالْمَوْتِ ". وَالْأَوَّلُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِوُجُودِ الْكَلِمَةِ وَعَدَمِهَا نَحْوَ: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد: ٢٤] قُرِئَ بِالضَّمِيرِ وَعَدَمِهِ، أَوْ تَبْدِيلِ الْكَلِمَةِ بِغَيْرِهَا مَعَ اتِّفَاقِ الْمَعْنَى: {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة: ٥] وَالصُّوفِ الْمَنْقُوشُ أَوْ مَعَ اخْتِلَافِهِ مِثْلِ: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} [الواقعة: ٢٩] وَطَلْعٍ مَنْضُودٍ أَوْ بِتَغْيِيرِهَا أَمَّا بِتَغْيِيرِ هَيْئَةٍ كَإِعْرَابٍ، مِثْلَ " {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: ٧٨] " بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فِي الرَّاءِ، أَوْ صُورَةٍ، مِثْلَ: {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} [البقرة: ٢٥٩] نَنْشُرُهَا، أَوْ حَرْفٍ، مِثْلَ: " بَاعَدَ " وَ " بَعُدَ بَيْنَ أَسْفَارِنَا "، وَقِيلَ: أَرَادَ فِي الْقُرْآنِ مَا هُوَ مَقْرُوءٌ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] فَإِنَّهُ قُرِئَ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ مُنَوَّنًا وَغَيْرَ مُنَوَّنٍ وَبِالسُّكُونِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ أُنْزِلَ مُشْتَمِلًا عَلَى سَبْعَةِ مَعَانٍ: الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْقَصَصِ وَالْأَمْثَالِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْمَوْعِظَةِ، وَقِيلَ: الْمَعَانِي السَّبْعَةُ هِيَ الْعَقَائِدُ وَالْأَحْكَامُ وَالْأَخْلَاقُ وَالْقَصَصُ وَالْأَمْثَالُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ، وَقِيلَ: أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَحَلَالٌ وَحَرَامٌ وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ وَأَمْثَالٌ، لِخَبَرِ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ: " «كَانَ الْكِتَابُ الْأَوَّلُ يَنْزِلُ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْ سَبْعَةِ أَبْوَابٍ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ: زَاجِرٍ وَآمِرٍ وَحَلَالٍ وَحَرَامٍ وَمُحْكَمٍ وَمُتَشَابِهٍ وَأَمْثَالِ الْحَدِيثِ» ". وَأُجِيبَ: بِأَنَّ قَوْلَهُ زَاجِرٌ اسْتِئْنَافٌ لَا تَفْسِيرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي رِوَايَةٍ " زَاجِرًا " بِالنَّصْبِ، أَيْ: نَزَلَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مِنَ الْأَبْوَابِ السَّبْعَةِ، وَبِتَسْلِيمِ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ - هُوَ تَفْسِيرٌ لِلْإِنْزَالِ لَا لِلْأَحْرُفِ، أَيْ: هِيَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْكَلَامِ وَأَقْسَامِهِ، أَيْ: أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ كَغَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ، أَيْ: غَيْرِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَمَنْ ثَمَّ قَالَ: جَمْعُ هَذَا الْقَوْلِ فَاسِدٌ لِأَنَّ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ التَّوْسِعَةَ الَّتِي هِيَ السَّبَبُ فِي نُزُولِ الْقُرْآنِ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ لَمْ يَقَعْ فِي تَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ وَلَا فِي تَغْيِيرِ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الْأَقَالِيمُ السَّبْعَةُ يَعْنِي حُكْمُ الْقُرْآنِ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْعَالَمِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ تَوْسِعَةً لَا الْحَصْرُ فِي هَذَا الْعَدَدِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: لَمَّا شَقَّ عَلَى كُلِّ الْعَرَبِ الْقِرَاءَةُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ رَخَّصَ فِي ذَلِكَ، وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اسْأَلِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ إِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ» ". ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ الثَّانِيَةَ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْزِلَ قَوْلُهُ: (لِكُلِّ آيَةٍ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ تِلْكَ السَّبْعَةِ الْأَحْرُفِ، وَالْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ صِفَةٌ لِسَبْعَةٍ وَالضَّمِيرُ رَابِطَةٌ، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ، وَالْوَجْهُ عِنْدِي عَوْدُهُ عَلَى الْقُرْآنِ بِاعْتِبَارِ جُمْلَتِهِ، ثُمَّ أَغْرَبَ فِي تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ مِنْ تِلْكَ الْأَحْرُفِ عَلَى أَيِّ قَوْلٍ مِنَ الْأَقْوَالِ (ظَهْرٌ وَبَطْنٌ وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ) : بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْقِرَاءَاتِ كَمَا فَعَلَ الْمُظْهِرُ حَيْثُ قَالَ: حَدُّ كُلِّ حَرْفٍ مَعْلُومٌ فِي التِّلَاوَةِ، لَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ مِثْلُ عَدَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>