جَوَازِ إِبْدَالِ الضَّادِ بِحَرْفٍ آخَرَ، وَكَذَا سَائِرُ الْحُرُوفِ لَا يَجُوزُ إِبْدَالُهَا بِآخِرَ إِلَّا مَا جَاءَ فِي الْقِرَاءَةِ، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الْكَلِمَةِ كَالْإِمَالَةِ وَإِبْدَالِ الْحُرُوفِ وَالْإِدْغَامِ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ وَحَدٌّ وَمَطْلَعٌ، وَقِيلَ: الْمَقْصُودُ وَصْفُ الْقُرْآنِ بِكَثْرَةِ مَا فِيهِ مِنَ الْعُلُومِ، فَالْمُرَادُ بِالسَّبْعَةِ الْكَثْرَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: ٢٧] وَالْأَحْرُفُ هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ الْكَلِمَاتِ فِي الْآيَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ الْأَحْرُفُ عَلَى أَجْنَاسِ الِاخْتِلَافَاتِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحَصْرِ، ثُمَّ قَسَّمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كُلَّ حَرْفٍ تَارَةً بِالظَّهْرِ وَالْبَطْنِ، وَالْأُخْرَى بِالْحَدِّ وَالْمَطْلَعِ، فَالظَّهْرُ مَا يُبَيِّنُهُ النَّقْلُ، وَالْبَطْنُ مَا يَسْتَكْشِفُهُ التَّأْوِيلُ، وَالْحَدُّ هُوَ الْمَقَامُ الَّذِي يَقْتَضِي اعْتِبَارَ كُلٍّ مِنَ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ فِيهِ فَلَا مَحِيدَ عَنْهُ، وَالْمَطْلَعُ الْمَكَانُ الَّذِي يُشْرَفُ مِنْهُ عَلَى تَوْفِيَةِ خَوَاصِّ كُلِّ مَقَامِ حَدَّهُ، وَلَيْسَ لِلْحَدِّ وَالْمَطْلَعِ انْتِهَاءٌ لِأَنَّ غَايَتَهُمَا طَرِيقُ الْعَارِفِينَ بِاللَّهِ، وَمَا يَكُونُ سِرًّا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ. كَذَا حَقَّقَهُ الطِّيبِيُّ. وَقِيلَ: الظَّهْرُ مَا ظَهَرَ تَأْوِيلُهُ وَعُرِفَ مَعْنَاهُ، وَالْبَطْنُ مَا خَفِيَ تَفْسِيرُهُ وَأُشْكِلُ فَحَوَاهُ، وَقِيلَ: الظَّهْرُ اللَّفْظُ وَالْبَطْنُ الْمَعْنَى. قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لِكُلِّ آيَةٍ سِتُّونَ أَلْفَ فَهْمٍ، وَعَنْ عَلِيٍّ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أُوَقِّرَ سَبْعِينَ بَعِيرًا مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لَفَعَلْتُ، وَلِهَذَا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: وَأَمَّا مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ النُّصُوصَ عَلَى ظَوَاهِرِهَا وَمَعَ ذَلِكَ فِيهَا إِشَارَاتٌ إِلَى دَقَائِقَ تَنْكَشِفُ لِأَرْبَابِ السُّلُوكِ يُمْكِنُ التَّطْبِيقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الظَّوَاهِرِ الْمُرَادَةِ، فَهُوَ مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ وَمَحْضِ الْعِرْفَانِ اهـ.
وَنَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّ الْوَاحِدِيَّ قَالَ: صَنَّفَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ حَقَائِقَ التَّفْسِيرِ، فَإِنْ كَانَ اعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ تَفْسِيرٌ فَقَدْ كَفَرَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: الظَّنُّ بِمَا يُوثَقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ التَّصَوُّفِ كَالسِّلْمِيِّ، فَإِنَّهُ مِنْ أَكَابِرِهِمْ عِلْمًا وَمَعْرِفَةً أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ تَفْسِيرًا وَلَا ذَهَبَ بِهِ مَذْهَبَ الشَّرْحِ التَّصَوُّفِ لِلْكَلِمَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُ الْبَاطِنِيَّةِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُمْ تَنْظِيرُ مَا وَرَدَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ مُحْيِي السُّنَّةِ فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ، قِيلَ: الظَّهْرُ لَفْظُ الْقُرْآنِ، وَالْبَطْنُ تَأْوِيلُهُ، وَالْمَطْلَعُ الْفَهْمُ، وَقَدْ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى الْمُتَدَبِّرِ وَالْمُتَفَكِّرِ مِنَ التَّأْوِيلِ وَالْمَعَانِي مَا لَا يَفْتَحُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ، وَالتَّفَهُّمُ يَكُونُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَتَعْظِيمِ الْحُرْمَةِ وَطِيبِ الطُّعْمَةِ، وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: الظَّهْرُ مَا ظَهَرَ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ وَالْبَطْنُ بِخِلَافِهِ اهـ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الطِّيبِيِّ: الظَّهْرُ مَا يُبَيِّنُهُ النَّقْلُ، وَالْبَطْنُ مَا يَسْتَكْشِفُهُ التَّأْوِيلُ. قَالَ: أَوِ الظَّهْرُ الْإِيمَانُ بِهِ وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ، وَالْبَطْنُ التَّفَاوُتُ فِي فَهْمِهِ عَلَى حَسَبِ مَرَاتِبِهِمْ فِي الْفَضِيلَةِ، أَوِ الظَّهْرُ الْمَعْنَى الْجَلِيُّ وَالْبَطْنُ الْخَفِيُّ وَهُوَ سِرٌّ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ الْمُصْطَفَيْنَ. عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: لَا يَفْقَهُ الرَّجُلُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى يَجْعَلَ لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ أَرَادَ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فَلْيُؤْثِرِ الْقُرْآنَ، وَقَوْلُهُ: وَلِكُلِّ حَدِّ مَطْلَعٌ. الْحَدُّ: الْمَنْعُ وَسُمِّيَتْ حُدُودُ اللَّهِ بِهَا لِمَنْعِ مُرْتَكِبِيهَا مِنَ الْعَوْدِ، وَالْمَطْلَعُ مَكَانُ الِاطِّلَاعِ عَنْ مَوْضِعٍ عَالٍ يُقَالُ: مَطْلَعُ هَذَا الْجَبَلِ مِنْ مَكَانِ كَذَا أَيْ: مَأْتَاهُ وَمَصْعَدُهُ مِنْهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ لِكُلِّ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ أَحْكَامُ الدِّينِ الَّتِي شَرَعَ لِلْعِبَادِ مَوْضِعَ اطِّلَاعٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فِمَنْ وُفِّقَ أَنْ يَرْتَقِيَ ذَلِكَ الْمُرْتَقَى اطَّلَعَ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِّ الْمُتَعَلِّقِ بِذَلِكَ الْمَطْلَعِ كَذَا نَقَلَهُ السَّيِّدُ، وَقِيلَ: أَيْ لِكُلِّ حَدٍّ وَطَرَفٍ مِنَ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ مَطْلَعٌ، أَيْ: مِصْعَدٌ أَيْ مَوْضِعٌ يُطْلَعُ عَلَيْهِ بِالتَّرَقِّي إِلَيْهِ، فَمَطْلَعُ الظَّاهِرِ تَعَلُّمُ الْعَرَبِيَّةِ وَتَتَبُّعُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ الظَّاهِرِ مِنْ أَسْبَابِ النُّزُولِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَطْلَعُ الْبَاطِنِ تَصْفِيَةُ النَّفْسِ وَالرِّيَاضَةُ بِآدَابِ الْجَوَارِحِ وَإِتْعَابُهَا فِي اتِّبَاعِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا مِنْ آيَةٍ إِلَّا عَمِلَ بِهَا قَوْمٌ وَلَهَا قَوْمٌ سَيَعْمَلُونَ بِهَا، وَقِيلَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute