لِلْجَانِبَيْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى لِأَيُّوبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَكَانَ قَدْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ مِائَةَ سَوْطٍ لَمَّا تَوَهَّمَ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الضَّرْبَ فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} [ص: ٤٤] وَهُوَ مَلْءُ الْكَفِّ مِنَ الشَّجَرِ أَوِ الْحَشِيشِ {فَاضْرِبْ بِهِ} [ص: ٤٤] لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا الضَّرْبَ الْمُتَعَارَفَ، {وَلَا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤] فِي يَمِينِكَ، فَأَخَذَ ضِغْثًا يَشْتَمِلُ عَلَى مِائَةِ عُودٍ صِغَارٍ، فَضَرَبَهَا بِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَتَبَيَّنَ لَكَ مِنَ التَّفْسِيرِ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يُخَالِفُ الْآيَةَ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ عَلَى مَقْصُودِهِ كَمَا تَوَهَّمَ وَأَمَّا الْفِقْهُ، فَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْإِمَامِ ابْنِ الْهُمَامِ عَنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ خُصُوصُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، قَالَ الْقَاضِي: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاقِبَ الْمَجْلُودَ، وَيُحَافِظَ عَلَى حَيَاتِهِ، وَأَنَّ حَدَّ الْمَرِيضِ لَا يُؤَخَّرُ إِلَّا إِذَا كَانَ لَهُ أَمْرٌ مَرْجُوٌّ كَالْحَبَلِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: يُؤَخَّرُ الْحَدُّ إِلَى أَنْ يَبْرَأَ، وَقَدْ عُدَّ الْحَدِيثُ مِنَ الْمَرَاسِيلِ فَإِنَّ سَعِيدًا لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُمْ مَحْجُوبُونَ بِهِ إِذِ الْمَرَاسِيلُ مَقْبُولَةٌ عِنْدَهُمْ قُلْتُ: نَعَمِ الْمَرَاسِيلُ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يُؤَخَّرْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُرْجَى بُرْؤُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute