للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْقُرْآنُ وَوُجُوبُ الْحَدِّ بِالْحَدِيثِ الْمُوجِبِ ثُبُوتُهُ فِي الْخَمْرِ ; لِأَنَّهُ مُسَمَّى الْخَمْرِ لَكِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّشْبِيهِ بِحَذْفِ أَدَاتِهِ، فَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ كَ (زَيْدٌ أَسَدٌ) أَيْ فِي حُكْمِهِ وَكَذَا الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ أَوْ مِنْ خَمْسَةٍ هُوَ عَلَى الِادِّعَاءِ حِينَ اتَّحَدَ حُكْمُهَا بِهَا جَازَ تَنْزِيلُهَا مَنْزِلَتَهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الِاسْتِعْمَالَاتِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ، تَقُولُ: السُّلْطَانُ هُوَ فُلَانٌ إِذَا كَانَ فُلَانٌ نَافِذَ الْكَلِمَةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَيَعْمَلُ بِكَلَامِهِ أَيِ الْمُحَرَّمُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مَاءِ الْعِنَبِ بَلْ كُلُّ مَا كَانَ مِثْلَهُ، مِنْ كَذَا مِثْلُهُ مِنْ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ هُوَ، وَلَا يُرَادُ بِهِ إِلَّا الْحُكْمُ ثُمَّ لَا يَلْزَمُ فِي التَّشْبِيهِ عُمُومُ وَجْهِهِ فِي كُلِّ صِفَةٍ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ثُبُوتُ الْحَدِّ بِالْأَشْرِبَةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الْخَمْرِ بَلْ يَصِحُّ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ فِيهَا بِثُبُوتِ حُرْمَتِهَا فِي الْجُمْلَةِ إِمَّا قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا أَوْ كَثِيرِهَا الْمُسْكِرِ مِنْهَا، وَكَوْنُ التَّشْبِيهِ خِلَافَ الْأَصْلِ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ عِنْدَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ الثَّابِتَ فِي اللُّغَةِ مِنْ تَفْسِيرِ الْخَمْرِ بِالنَّيِّءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إِذَا اشْتَدَّ وَهَذَا مِمَّا لَا يُشَكُّ فِيهِ مِنْ تَتَبُّعِ مَوَاقِعِ اسْتِعْمَالَاتِهِمْ وَلَقَدْ يَطُولُ الْكَلَامُ بِإِيرَادِهِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ الْمَذْكُورَ عَلَى الْخَمْرِ بِطَرِيقِ التَّشْبِيهِ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ (حُرِّمَتِ الْخَمْرُ وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْءٌ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ مَاءَ الْعِنَبِ لِثُبُوتِ أَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ غَيْرُهَا لِمَا ثَبَتَ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ، وَمَا شَرَابُهُمْ يَوْمَئِذٍ - أَيْ يَوْمَ حُرِّمَتْ - إِلَّا الْفَضِيخُ الْبُسْرُ وَالتَّمْرِ، فَعُرِفَ أَنَّ مَا أُطْلِقَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنَ الْحَمْلِ لِغَيْرِهَا عَلَيْهَا، هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّشْبِيهِ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِغَيْرِ عُمُومِ الِاسْمِ لُغَةً فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» ، وَمَا أَسْكَرَ الْفَرَقُ مِنْهُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ. وَفِي لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ: فَالْحَسْوَةُ مِنْهُ حَرَامٌ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَجْوَدُ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ. أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لِأَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ الْمَوْصِلِيِّ، وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ، وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: وَاحْتَجَّ بِهِمَا الشَّيْخَانِ فَحِينَئِذٍ فَجَوَابُهُمْ بَعْدَ ثُبُوتِ هَذِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَكَذَا حَمْلُهُ عَلَى مَا بِهِ حَصَلَ السُّكْرُ، وَهُوَ الْقَدَحُ الْأَخِيرُ ; لِأَنَّهُ صَرِيحُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْقَلِيلُ وَمَا أُسْنِدَ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، قَالَ: هِيَ الشَّرْبَةُ الَّتِي أَسْكَرَتْكَ. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ فِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَعَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي النَّخَعِيَّ وَأُسْنِدَ إِلَى ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: حَدِيثٌ بَاطِلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَسُنَ عَارَضَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَرْفُوعَاتِ الصَّرِيحَةِ الصَّحِيحَةِ فِي تَحْرِيمِ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، وَلَوْ عَارَضَهُ كَانَ الْمُحَرَّمُ مُقَدَّمًا، وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، وَالْمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ، لَمْ يَسْلَمْ، نَعَمْ هُوَ مِنْ طَرِيقٍ جَيِّدَةٍ عَنِ ابْنِ عَوْفٍ عَنِ ابْنِ شَدَّادٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا وَالْمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ. وَفِي لَفْظٍ: وَمَا أَسْكَرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي شُبْرُمَةَ، وَهَذَا إِنَّمَا فِيهِ تَحْرِيمُ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ وَإِذَا كَانَتْ طَرِيقُهُ أَقْوَى وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ، وَلَفْظُ السُّكْرِ تَصْحِيفٌ ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ السَّابِقِ عَلَيْهِ يَكُونُ التَّرْجِيحُ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ ثُبُوتَ الْحَقِّ بِالْقَلِيلِ إِلَّا بِسَمْعٍ أَوْ قِيَاسٍ فَهُمْ يَقِيسُونَهُ بِجَامِعِ كَوْنِهِ مُسْكِرًا، وَلِأَصْحَابِنَا فِيهِ مَنْعٌ خُصُوصًا وَعُمُومًا أَمَّا خُصُوصًا فَمَنَعُوا أَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ مُعَلَّلَةٌ بِالْإِسْكَارِ إِذْ ذُكِرَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «حُرِّمَتِ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا وَالْمُسْكِرُ» . إِلَخْ وَفِيهِ مَا عَلِمْتَ ثُمَّ قَوْلُهُ (بِعَيْنِهَا) لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ عِلَّةَ الْحُرْمَةِ عَيْنُهَا بَلْ إِنَّ عَيْنَهَا حُرِّمَتْ وَلِذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ: قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا. وَالرِّوَايَةُ الْمَعْرُوفَةُ فِيهِ بِالْيَاءِ لَا بِاللَّامِ، فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْإِسْكَارَ هُوَ الْمُحَرَّمُ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ ; لِأَنَّهُ الْمُوقِعُ لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَالصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنِ الصَّلَاةِ وَإِتْيَانِ الْمَفَاسِدِ مِنَ الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ كَمَا أَشَارَ النَّصُّ إِلَى عَيْنِهَا، وَلَكِنَّ تَقْدِيرَ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْقِيَاسِ لَا يُثْبِتُ الْحَدَّ ; لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ عِنْدَهُمْ، وَإِذَا لَمْ يُثْبَتْ بِمُجَرَّدِ الشُّرْبِ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ وَلَكِنْ ثَبَتَ بِالسُّكْرِ مِنْهُ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِذَا سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ. الْحَدِيثَ وَلَوْ ثَبَتَ بِهِ حِلُّ مَا لَمْ يُسْكُرْ لَكَانَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَهُوَ مُنْتَفٍ عِنْدَهُمْ فَمُوجِبُهُ لَيْسَ إِلَّا ثُبُوتُ الْحَدِّ بِالسُّكْرِ، ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى السُّكْرِ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ ; لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ مِنَ الْخَمْرِ يَنْفِي فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ بِالسُّكْرِ ; لِأَنَّ فِي الْخَمْرِ حَدًّا بِالْقَلِيلِ مِنْهَا بَلْ يُوهِمُ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِغَيْرِهَا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>