بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَدْلِهِ فَلَهُ النَّارُ ; أَيْضًا، وَيُفْهَمُ بِطَرِيقِ الْأَوَّلِ: أَنَّ مَنْ لَا يَعْدِلُ أَصْلًا أَنَّهُ فِي النَّارِ، فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «قَاضٍ فِي الْجَنَّةِ وَقَاضِيَانِ فِي النَّارِ» " وَإِنَّمَا الْمُحْتَاجُ إِلَى التَّأْوِيلِ هُوَ الْأَوَّلُ فَتَأَمَّلْ ; وَثَانِيهَا: مَا قَالَهُ الْمُظْهِرُ: أَنَّ مَنْ قَوِيَ عَدْلُهُ بِحَيْثُ لَا يَدْعُ أَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ جَوْرٌ، قُلْتُ: هَذَا هُوَ عَيْنُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ; وَثَالِثُهَا: مَا قَالَهُ الْقَاضِي: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ فِي بَدْءِ فِطْرَتِهِ بِحَيْثُ يَقْوَى عَلَى الْخَيْرِ، وَالشَّرِّ، وَالْعَدْلِ، وَالْجَوْرِ، ثُمَّ إِنَّهُ يَعْرِضُ لَهُ دَوَاعٍ دَاخِلِيَّةٌ وَأَسْبَابٌ خَارِجِيَّةٌ تَتَعَارَضُ وَتَتَصَارَعُ ; فَيَجْذِبُهُ هَؤُلَاءِ مَرَّةً، وَهَؤُلَاءِ أُخْرَى، حَتَّى يُفْضِيَ التَّطَارُدُ بَيْنَهُمَا إِلَى أَنْ يَغْلِبَ أَحَدُ الْحِزْبَيْنِ، وَيَقْهَرَ الْآخَرَ فَيَنْقَادَ لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَيَسْتَقِرَّ عَلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَيْهِ، فَالْحَاكِمُ إِنْ وُفِّقَ لَهُ حَتَّى غَلَبَ لَهُ أَسْبَابُ الْعَدْلِ قَائِمًا فِيهِ دَوَاعِيهِ ; صَارَ بِشَرَارَةٍ مَائِلًا إِلَى الْعَدْلِ، مَشْغُوفًا بِهِ، مُتَحَاشِيًا عَمَّا يُنَافِيهِ، فَيَنَالُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَإِنَّ عَدَلَ بِأَنْ كَانَ حَالُهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ جَارَ بَيْنَ النَّاسِ وَنَالَ بِشُؤْمِهِ النَّارَ اهـ. وَفِيهِ أَنَّ هَذَا تَفْصِيلٌ وَتَوْجِيهٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَلَا تَغْفَلْ. نَعَمْ لَهُ مَعْنًى ثَانٍ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ عَدْلِهِ، وَجَوْرِهِ، وَصَوَابِهِ، وَخَطَأِهِ فِي الْحُكْمِ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ ; فِيمَا لَا يَكُونُ فِيهِ نَصٌّ مِنْ كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إِجْمَاعٍ، كَمَا قَالُوهُ فِي حَقِّ الْمُفْتِي، وَالْمُدَرِّسِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: " «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يَحِفْ عَمْدًا» " كَمَا سَيَأْتِي (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute