للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٤] بَابُ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٣٧٥٨ - عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: " «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي شَرْحِهِ لِلنَّوَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، أَوْ صَحِيحٍ، زِيَادَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: " «لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ".

ــ

[٤]- بَابُ الْأَقْضِيَةِ

أَيِ: الْحُكُومَاتِ (وَالشَّهَادَاتِ) : أَيْ: أَنْوَاعِهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: الْأَقْضِيَةُ هِيَ مَا تُرْفَعُ إِلَى الْحَاكِمِ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْقَضَاءُ فِي الْأَصْلِ إِحْكَامُ الشَّيْءِ وَالْفَرَاغُ مِنْهُ، فَيَكُونُ الْقَضَاءُ إِمْضَاءُ الْحُكْمِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ} [الإسراء: ٤] وَسُمِّيَ الْحَاكِمُ قَاضِيًا ; لِأَنَّهُ يَقْضِي الْأَحْكَامَ وَيَحْكُمُهَا، وَيَكُونُ قَضَى بِمَعْنَى أَوْجَبَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سُمِّيَ قَاضِيًا، لِإِيجَابِهِ الْحُكْمَ عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَيُسَمَّى حَاكِمًا لِمَنْعِهِ الظَّالِمَ مِنَ الظُّلْمِ، وَمِنْهُ حَكَمَةُ الدَّابَّةِ لِمَنْعِهَا الدَّابَّةَ مِنْ رُكُونِهَا رَأْسَهَا، وَسُمِّيَتِ الْحِكْمَةُ حِكْمَةً لِمَنْعِهَا النَّفْسَ مِنْ هَوَاهَا. وَقَالَ الرَّاغِبُ: الشُّهُودُ وَالشَّهَادَةُ وَالْمُشَاهَدَةُ الْحُضُورُ مَعَ الْمُشَاهَدَةِ إِمَّا بِالْبَصَرِ وَإِمَّا بِالْبَصِيرَةِ، وَشَهِدْتُ جَارٍ مَجْرَى الْعِلْمِ وَبِلَفْظِهِ: تُقَامُ الشَّهَادَةُ، يُقَالُ: أَشْهَدُ بِكَذَا، وَلَا يُرْضَى مِنَ الشَّاهِدِ أَنْ يَقُولَ: أَعْلَمُ، بَلْ يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ، وَفَى الْمُغْرِبِ: الشَّهَادَةُ الْإِخْبَارُ بِصِحَّةِ الشَّيْءِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ، وَيُقَالُ: عِنْدَ الْحَاكِمِ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا شَهَادَةٍ فَهُوَ شَاهِدٌ وَهُمْ شُهُودٌ وَأَشْهَادٌ وَهُوَ شَهِيدٌ وَهُمْ شُهَدَاءُ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٣٧٥٨ - (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَوْ يُعْطَى النَّاسُ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ; أَيْ: لَوْ فُرِضَ أَنْ يُعْطَوْا مُدَّعَاهُمْ مِنْ مَالِهِمْ وَدِمَائِهِمْ (بِدَعْوَاهُمْ: أَيْ: بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمْ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ لِلْمُدَّعِي، أَوْ تَصْدِيقٍ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لَادَّعَى نَاسٌ) : أَيْ: قَوْمٌ فِي الْحَقِيقَةِ نَسْنَاسٌ بِطَرِيقِ الْبُطْلَانِ عَلَى نَاسٍ (دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ) : قِيلَ: أَيْ لَأَخَذَ رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ، وَسَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، فَوَضَعَ الدَّعْوَى مَوْضِعَ الْأَخْذِ ; لِأَنَّهَا سَبَبُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَخْذَ مَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُمْتَنِعٌ لِامْتِنَاعِ إِعْطَاءِ الْمُدَّعِي بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، فَصَحَّ مَعْنَى لَوْ كَمَا لَا يَخْفَى، هَذَا وَلَمَّا كَانَتِ الْجُمْلَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ نَفَتِ اعْتِبَارَ الْإِعْطَاءِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَأَفَادَتْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَكَانَتْ مُوهِمَةً لِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ مُطْلَقًا اسْتَدْرَكَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَكِنَّ الْيَمِينَ) : بِتَشْدِيدِ لَكِنَّ وَنَصْبِ الْيَمِينِ، وَفَى نُسْخَةٍ بِالتَّخْفِيفِ وَالرَّفْعِ ; أَيِ: الْحَلِفَ (عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) : أَيِ: الْمُنْكِرِ إِنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ، فَلَوْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ طَلَبِ الْمُدَّعِي، ثُمَّ طَلَبَ الْمُدَّعِي التَّحْلِيفَ، فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ، كَذَا فِي الْأُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ، وَهَذَا عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ الْحُدُودُ وَاللِّعَانُ وَنَحْوُهُمَا. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَابْنُ مَاجَهْ.

(وَفِي شَرْحِهِ) : أَيْ: شَرْحِ مُسْلِمٍ (لِلنَّوَوِيِّ) : يَجُوزُ قَصْرُهُ وَمَدُّهُ (أَنَّهُ قَالَ: وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، أَوْ صَحِيحٍ، زِيَادَةٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا) : الظَّاهِرُ مَرْفُوعَةٌ (لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ) : بِالْوَجْهَيْنِ (عَلَى الْمُدَّعِي) : فِي الْمُغِرِبِ: الْبَيِّنَةُ الْحُجَّةُ فَيْعِلَةٌ مِنَ الْبَيْنُونَةِ، أَوِ الْبَيَانِ (وَالْيَمِينَ) : بِالْوَجْهَيْنِ (عَلَى مَنْ أَنْكَرَ) : قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ قَاعِدَةٌ شَرِيفَةٌ كُلِّيَّةٌ مِنْ قَوَاعِدِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، فَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْإِنْسَانِ فِيمَا يَدَّعِيهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، بَلْ يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ، أَوْ تَصْدِيقِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ طَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ بَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحِكْمَةَ فِي كَوْنِهِ لَا يُعْطَى بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ أَنَّهُ لَوْ أُعْطِيَ بِمَجَرَّدِهَا لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَاسْتُبِيحَ، وَلَا يَتَمَكَّنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ صَوْنِ مَالِهِ وَدَمِهِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ، عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ مُتَوَجِّهَةٌ عَلَى كُلِّ مُدَّعَى عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي اخْتِلَاطٌ أَمْ لَا. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابِهِ، وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ: إِنَّ الْيَمِينَ لَا تَتَوَجَّهُ إِلَّا عَلَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ خِلْطَةٌ لِئَلَّا يَبْتَذِلَ السُّفَهَاءُ أَهْلَ الْفَضْلِ بِتَحْلِيفِهِمْ مِرَارًا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ، فَاشْتَرَطَتَ الْخِلْطَةَ دَفْعًا لِهَذِهِ الْمَفْسَدَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْخِلْطَةِ، فَقِيلَ: هِيَ مَعْرِفَتُهُ بِمُعَامَلَتِهِ وَمُدَايَنَتِهِ بِشَاهِدٍ، أَوْ بِشَاهِدَيْنِ، وَقِيلَ: تَكْفِي الشُّبْهَةُ، وَقِيلَ: هِيَ أَنْ يَلِيقَ بِهِ الدَّعْوَى بِمِثْلِهَا عَلَى مَثْلِهِ، وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ، وَلَا أَصْلَ لِذَلِكَ الشَّرْطِ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>