٣٧٥٩ - وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» " فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: ٧٧] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٣٧٥٩ - (وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ» ) : فِي النِّهَايَةِ: الْحَلِفُ هُوَ الْيَمِينُ فَخَالَفَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ تَأْكِيدًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: يَمِينِ صَبْرٍ بِالْإِضَافَةِ ; أَيْ: أُلْزِمَ بِهَا وَحُبِسَ عَلَيْهَا، وَكَانَتْ لَازِمَةً لِصَاحِبِهَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ، وَقِيلَ لَهَا مَصْبُورَةً، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْمَصْبُورَ ; لِأَنَّهُ صُبِرَ مِنْ أَجْلِهَا ; أَيْ: حُبِسَ، فَوُصِفَتْ بِالصَّبْرِ وَأُضِيفَ إِلَيْهِ مَجَازًا اهـ. وَتَوْضِيحُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ: الصَّبْرُ الْحَبْسُ وَالْمُرَادُ بِيَمِينِ الصَّبْرِ أَنْ يَحْبِسَ السُّلْطَانُ الرَّجُلَ حَتَّى يَحْلِفَ بِهَا، وَهَى لَازِمَةٌ لِصَاحِبِهَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ، وَعَلَى بِمَعْنَى الْبَاءِ، وَالْمُرَادُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ تَنْزِيلًا لِلْحَلِفِ مَنْزِلَةَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا قِيلَ لَهَا مَصْبُورَةٌ مَجَازًا، وَقِيلَ: يَمِينُ الصَّبْرِ هِيَ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ قَاصِدًا لِإِذْهَابِ مَالِ الْمُسْلِمِ، كَأَنَّهُ يَصْبِرُ النَّفْسَ عَلَى تِلْكَ الْيَمِينِ ; أَيْ يَحْبِسُهَا عَلَيْهَا، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: (وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ) : أَيْ: كَاذِبٌ، وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ، وَفَى رِوَايَةٍ بِتَرْكِ الْوَاوِ (يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) : أَيْ: يَفْصِلُ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ وَيَأْخُذُهَا بِذَلِكَ الْيَمِينِ، وَفَى مَعْنَى مَالِ الْمُسْلِمِ مَالُ الذِّمِّيِّ، فَلَا مَفْهُومَ مُعْتَبَرٌ لَهُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ أَنَّ الْكَذِبَ فِي الشَّهَادَةِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْفُجُورِ، وَ (يُقْتَطَعُ بِهَا) حَالٌ مِنَ الرَّاجِعِ إِلَى الْمُبْتَدَأِ فِي (فَاجِرٌ) ، فَهِيَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ تَصْوِيرًا لِشَنَاعَتِهَا، وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِالْيَمِينِ الْغَمُوسِ، وَذَلِكَ ; لِأَنَّ مُرْتَكِبَ هَذِهِ الْجَرِيمَةِ قَدْ بَلَغَ فِي الِاعْتِدَاءِ الْغَايَةَ الْقُصْوَى، حَيْثُ انْتَهَكَ حُرْمَةً بَعْدَ حُرْمَةٍ إِحْدَاهَا: اقْتِطَاعُ مَالٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَالثَّانِيَةُ: اسْتِحْقَاقُ حُرْمَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ رِعَايَتُهَا، وَهَى حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ، وَحَقُّ الْآخِرَةِ وَالثَّالِثَةُ: الْإِقْدَامُ عَلَى الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ (لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) : وَفِي رِوَايَةٍ: لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، أَيْ: يُعْرِضُ عَنْهُ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَالْعِنَايَةِ، وَ (غَضْبَانُ) غَيْرُ مُنْصَرِفٍ وَهُوَ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ. وَلِذَا قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: يَنْتَقِمُ مِنْهُ ; لِأَنَّ الْغَضَبَ إِذَا أُطْلِقَ عَلَى اللَّهِ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْغَايَةِ (فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ) : أَيْ: مُوَافَقَةً لِمَا ذَكَرَ مِنَ الْحَدِيثِ فَهُوَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ} [آل عمران: ٧٧] : أَيْ: يَسْتَبْدِلُونَ (بِعَهْدِ اللَّهِ) : أَيْ: بِمَا عُهِدَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَتَرْكِ الْخِيَانَةِ {وَأَيْمَانِهِمْ} [آل عمران: ٧٧] : أَيِ: الْكَاذِبَةِ ثَمَنًا قَلِيلًا: شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا مَعَ أَنَّ مَتَاعَهَا كُلِّهَا قَلِيلٌ (إِلَى آخَرِ الْآيَةِ) : يَعْنِي {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ} [آل عمران: ٧٧] ; أَيْ: لَا نَصِيبَ لَهُمْ مِنَ الْخَيْرِ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: بِمَا يَسُرُّهُمْ وَيُفْرِحُهُمْ {وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} [آل عمران: ٧٧] ; أَيْ: نَظَرَ رَحْمَةٍ تَنْفَعُهُمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ ; أَيْ: يُطَهِّرُهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ بِمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ مَوْقِفِ الْحِسَابِ وَلِذَا قَالَ: وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَفِي الْآيَةِ تَهْدِيدٌ جَسِيمٌ وَتَشْدِيدٌ عَظِيمٌ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute