٣٧٦٣ - وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهَدٍ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
٣٧٦٣ - (وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَضَى بِيَمِينٍ) : أَيْ: لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَشَاهِدٍ) : أَيْ: وَبِبَيِّنَةٍ لِلْمُدَّعِي، وَلَعَلَّ الْقَضِيَّةَ فِيمَا يَكْتَفِي بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ، فَالْوَاوُ بِمَعْنَى (أَوْ) لِلتَّنْوِيعِ، وَقَالَ الْمُظْهِرُ: يَعْنِي كَانَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ بَدَلًا مِنَ الشَّاهِدِ الْآخَرِ، فَلَمَّا حَلَفَ قَضَى لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا ادَّعَاهُ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ، وَخِلَافُهُمْ فِي الْأَمْوَالِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الدَّعْوَى فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ فَلَا يُقْبَلُ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ بِالْاتِّفَاقِ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: وَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى الْقَضَاءَ بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يُحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَضَى بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا، أَوْ عَجَزَ أَنْ يُتِمَّ الْبَيِّنَةَ، وَذَلِكَ ; لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ تُبَيِّنْ فِي حَدِيثِهِ صِفَةَ الْقَضَاءِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ بِطُرُقٍ مَرْضِيَّةٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُقَوِّي ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ، فَلَا يُتْرَكُ بَعْدَ وُجُودِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ مَا وَرَدَ بِهِ التَّنْزِيلُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] فَلَمَّا وَرَدَ التَّوْفِيقُ بِذَلِكَ لَمْ يَرَوْا أَنْ يَحْكُمُوا بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَاسْتَدَلُّوا ; أَيْضًا بِحَدِيثِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الَّذِي يَتْلُو حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هَذَا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ " قَالَ: لَا. قَالَ " فَلَكَ يَمِينُهُ " فَلَمَّا أَعَادَ إِلَيْهِ الْقَوْلَ قَالَ: " لَيْسَ لَكَ إِلَّا ذَلِكَ» .
قَالَ الطِّيبِيُّ: قَوْلُهُ: إِلَّا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ يُقَالُ لَهُ: هَلْ يُجَاءُ بِأَقْطَعَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ صِحَّةً وَنَصًّا؟ أَمَّا الصِّحَّةُ، فَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا مَطْعَنَ لِأَحَدٍ فِي إِسْنَادِهِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فِي صِحَّتِهِ. قُلْتُ: الشَّيْخُ عَارِفٌ بِصِحَّتِهِ غَيْرُ طَاعِنٍ فِي إِسْنَادِهِ، وَإِنَّمَا كَلَامُهُ أَنَّ هَذَا دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ لَا يُعَارِضُ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ، لَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ الِاحْتِمَالِ لَا يَصْلُحُ لِلْاسْتِدْلَالِ. وَقَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ: وَجَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ، وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَالْمُغِيرَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَهُوَ حُجَّةُ جُمْهُورِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute