للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

" إِنَّ عِلْمًا لَا يُقَالُ بِهِ كَكَنْزٍ لَا يُنْفَقُ مِنْهُ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قِيلَ مَنِ الِاسْتِفْهَامِيَّةُ مُبْتَدَأٌ، وَأَجْوَدُ خَبَرُهُ، وَجُودًا تَمْيِيزٌ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَجْوَدُ مِنَ الْجُودِ أَيْ أَحْسَنُ جُودًا أَوْ مِنَ الْجُودِ أَيْ مِنَ الَّذِي جُودُهُ أَجْوَدُ عَلَى حَدِّ نَهَارِهِ صَائِمٌ (قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (اللَّهُ تَعَالَى أَجْوَدُ جُودًا) : وَهُوَ لِمُجَرَّدِ الْمُبَالَغَةِ فَإِنَّهُ الْمُتَفَضِّلُ بِالْإِيجَادِ وَالْإِمْدَادِ عَلَى جَمِيعِ الْبِلَادِ طِبْقَ الْمُرَادِ (ثُمَّ أَنَا أَجْوَدُ بَنِي آدَمَ) . وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَيْ: أَفْضَلُهُمْ وَأَكْرَمُهُمْ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ وَلَا فَخْرَ» ، ". رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ لِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ أَنَّ الْجِنْسَ الْبَشَرِيَّ أَفْضَلُ مِنَ الْجِنْسِ الْمَلَكِيِّ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ (وَأَجْوَدُهُ) : أَيْ: جِنْسُ بَنِي آدَمَ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرُ لِبَنِي آدَمَ عَلَى تَأْوِيلِ الْإِنْسَانِ أَوْ لِلْجُودِ، وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: أَجْوَدُهُمْ يَعْنِي فِي زَمَانِهِ (مِنْ بَعْدِي) : يَحْتَمِلُ الْبَعْدِيَّةَ بِحَسَبِ الْمَرْتَبَةِ وَبِحَسَبِ الزَّمَانِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (رَجُلٌ عَلِمَ) : بِالتَّخْفِيفِ بِلَا خِلَافٍ (عِلْمًا) : أَيْ: عَظِيمًا نَافِعًا فِي الدِّينِ (فَنَشَرَهُ) : يَعُمُّ التَّدْرِيسَ وَالتَّصْنِيفَ وَتَرْغِيبَ النَّاسِ، فِيهِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَمِنْهُ وَقْفُ الْكُتُبِ وَإِعَارَتُهَا لِأَهْلِهَا (يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمِيرًا وَحْدَهُ) : يَعْنِي كَالْجَمَاعَةِ الَّتِي لَهَا أَمِيرٌ وَمَأْمُورٌ فِي الْعِزَّةِ وَالْعَظَمَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَمِيرًا مُسْتَقِلًّا مَعَ أَتْبَاعِهِ غَيْرَ تَابِعٍ لِغَيْرِهِ نَحْوَ قَوْلِهِ: أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى. (أَوْ قَالَ: (أُمَّةً وَاحِدَةً) : الشَّكُّ يُحْتَمَلُ مِنْ أَنَسٍ، أَوْ مَنْ بَعْدَهُ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: ١٢٠] حَيْثُ أَطْلَقَ الْأُمَّةَ عَلَى مَنْ جَمَعَ خِصَالًا لَا تُوجَدُ غَالِبًا إِلَّا فِي جَمَاعَةٍ، وَلِذَا قَالَ الشَّاعِرُ:

لَيْسَ مِنَ اللَّهِ بِمُسْتَنْكَرٍ ... أَنْ يَجْمَعَ الْعَالَمَ فِي وَاحِدِ

وَلَمَّا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي مُعَاذٍ: كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ، فَقِيلَ لَهُ: ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: الْأُمَّةُ الَّذِي يَعْلَمُ الْخَيْرَ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ خَبَرُ: مُعَاذٌ أُمَّةٌ قَانِتٌ لِلَّهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْمُرْسَلُونَ. سَبَبُ ذَلِكَ مَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ " أَنَّهُ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>