للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٩٢٩ - وَعَنْ سَلْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: " اغْزُوَا بِاسْمِ اللَّهِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتَلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوَا فَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ -، أَوْ خِلَالٍ - فَأَيَّتَهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ، فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، يُجْرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يُجْرَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ، وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلَا ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ، فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِنْ حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا؟» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

٣٩٢٩ - (وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ) : بِالتَّصْغِيرِ (عَنْ أَبِيهِ) : الظَّاهِرُ أَنَّهُ بُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ، وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ، (قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا أَمَّرَ) : بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ ; أَيْ: جَعَلَ أَحَدًا (أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ) : أَيْ: ذَلِكَ الْأَمِيرَ (فِي خَاصَّتِهِ) : أَيْ: فِي حَقِّ نَفْسِهِ خُصُوصًا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: (بِتَقْوَى اللَّهِ) : وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَوْصَاهُ، وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ مَعَهُ) : مَعْطُوفٌ عَلَى خَاصَّتِهِ ; أَيْ: وَفِيمَنْ مَعَهُ (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) : وَقَوْلُهُ: (خَيْرًا) : نُصِبَ عَلَى انْتِزَاعِ الْخَافِضِ ; أَيْ: بِخَيْرٍ: قَالَ الطِّيبِيُّ: وَمِنْ مَحَلِّ الْجَرِّ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: أَوْصَى بِتَقْوَى اللَّهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَأَوْصَى بِخَيْرٍ فِيمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي اخْتِصَاصِ التَّقْوَى بِخَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَالْخَيْرِ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُشَدِّدَ عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا يَأْتِي وَيَذَرُ، وَأَنْ يُسَهِّلَ عَلَى مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَرْفُقَ بِهِمْ، كَمَا وَرَدَ: «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا» . (ثُمَّ قَالَ: اغْزُوَا بِسْمِ اللَّهِ) : أَيْ: مُسْتَعِينِينَ بِذِكْرِهِ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) : أَيْ: لِأَجْلِ مَرْضَاتِهِ وَإِعْلَاءِ دِينِهِ (قَاتِلُوا مِنْ كَفَرَ بِاللَّهِ) : جُمْلَةٌ مُوَضِّحَةٌ لِاغْزُوا، وَأَعَادَ قَوْلَهُ: اغْزُوَا لِيُعْقِبَهُ بِالْمَذْكُورَاتِ بَعْدَهُ، (فَلَا تَغُلُّوا) : بِالْفَاءِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْوَاوِ، وَهُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ ; أَيْ: لَا تَخُونُوا فِي الْغَنِيمَةِ (وَلَا تَغْدِرُوا) : بِكَسْرِ الدَّالِ ; أَيْ: لَا تَنْقُضُوا الْعَهْدَ، وَقِيلَ: لَا تُحَارِبُوهُمْ قَبْلَ أَنْ تَدْعُوَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ (وَلَا تَمْثُلُوا) : بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ، فَفِي تَهْذِيبِ النَّوَوِيِّ مَثَلَ بِهِ يَمْثُلُ كَقَتَلَ إِذَا قَطَعَ أَطْرَافَهُ، وَفِي الْقَامُوسِ: مَثُلَ بِفُلَانٍ مُثْلَةً بِالضَّمِّ، نَكَّلَ كَمَثَّلَ تَمْثِيلًا، وَفِي الْفَائِقِ: إِذَا سَوَّدْتَ وَجْهَهُ، أَوْ قَطَعْتَ أَنْفَهُ وَنَحْوَهُ. قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَالْمُثْلَةُ الْمَرْوِيَّةُ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ الْمُتَأَخِّرِ، وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ خُطْبَةً إِلَّا وَنَهَى فِيهَا عَنِ الْمُثْلَةِ» ، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ: أَنَّهُ إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْيُنَهُمْ ; لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرُّعَاةِ. وَتَحْقِيقُ هَذَا الْمَبْحَثِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْهُمَامِ. ( «وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا» ) : أَيْ: طِفْلًا صَغِيرًا. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ يُقْتَلَانِ فِي حَالِ قِتَالِهِمَا، وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَلِكُ وَالْمَعْتُوهُ الْمَلِكُ ; لِأَنَّ فِي قَتْلِ الْمَلِكِ كَسْرَ شَوْكَتِهِمْ، (وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) : الْخِطَابُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ، وَهُوَ نَظِيرُ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: ١] قَالَ الطِّيبِيُّ: وَهُوَ مِنْ بَابِ تَلْوِينِ الْخِطَابِ خَاطَبَ أَوَّلًا عَامًّا، فَدَخَلَ فِيهِ الْأَمِيرُ دُخُولًا أَوَّلِيًّا، ثُمَّ خَصَّ الْخِطَابَ بِهِ، فَدَخَلُوا فِيهِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ} [الطلاق: ١] خَصَّ النِّسَاءَ بِالنِّدَاءِ. (فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ) : أَيْ: مُرَتَّبَةٍ (-، أَوْ خِلَالٍ -) : شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَالْخِصَالُ وَالْخِلَالُ بِكَسْرِهَا جَمْعُ الْخَصْلَةِ وَالْخَلَّةِ بِفَتْحِهِمَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، (فَأَيَّتُهُنَّ) : بِالرَّفْعِ وَالضَّمِيرُ لِلْخِصَالِ الْمَدْعُوَّةِ (مِمَّا أَجَابُوكَ) : أَيْ: قَبِلُوهَا مِنْكَ، وَمَا: زَائِدَةٌ (فَاقْبَلْ مِنْهُمْ) : جَزَاءُ الشَّرْطِ (وَكُفَّ) : بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَكَسْرُهَا ; أَيِ: امْتَنِعْ (عَنْهُمْ) : أَيْ: فِي الْأُولَيَيْنِ (ثُمَّ ادْعُهُمْ) : أَيْ: إِذَا عَرَفْتَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْخِصَالِ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ، فَاعْلَمْ حُكْمَهَا عَلَى طَرِيقِ التَّفْصِيلِ فَادْعُهُمْ ; أَيْ: أَوَّلًا (إِلَى الْإِسْلَامِ) : قَالَ النَّوَوِيُّ: هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ، ثُمَّ ادْعُهُمْ. قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الصَّوَابُ رِوَايَةُ ادْعُهُمْ بِإِسْقَاطِ، ثُمَّ، وَقَدْ جَاءَ بِإِسْقَاطِهَا عَلَى الصَّوَابِ فِي كِتَابِ أَبِي عُبَيْدٍ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا: لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْخِصَالِ الثَّلَاثِ وَلَيْسَتْ غَيْرَهَا. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: ثُمَّ هُنَا زَائِدَةٌ وَرَدَتْ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ وَالْأَخْذِ فِيهِ. (فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ) : أَيْ: الِانْتِقَالُ (مِنْ دَارِهِمْ) : أَيْ: مِنْ بِلَادِ الْكُفْرِ (إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ) : أَيْ: إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا مِنْ تَوَابِعِ الْخَصْلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>