ثُمَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَوْ نَقَضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَمْ تَدْرِ مَا تَصْنَعُ بِهِمْ، حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ بِوَحْيٍ وَنَحْوِهِ فِيهِمْ، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ عَلَيْكَ لِسَبَبِ غَيْبَتِكَ وَبُعْدِكَ مِنْ مَهْبِطِ الْوَحْيِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا نَقَضُوا عَهْدَكَ، فَإِنَّكَ إِذَا نَزَلْتَ عَلَيْهِمْ فَعَلْتَ بِهِمْ مِنْ قَتْلِهِمْ، أَوْ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ، أَوِ اسْتِرْقَاقِهِمْ، أَوِ الْمَنِّ، أَوِ الْفِدَاءِ بِحَسَبَ مَا تَرَى مِنَ الْمَصْلَحَةِ فِي حَقِّهِمْ. ( «وَإِنْ حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ» ) : أَيْ: وَلَا عَلَى حُكْمِ رَسُولِهِ لِمَا سَبَقَ وَلِقَوْلِهِ: ( «وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي: أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا؟» ) : زَادَ ابْنُ الْهُمَامِ وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ اقْضُوا فِيهِمْ بَعْدُ مَا شِئْتُمْ. قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ: فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ، فَإِنَّهُ قَدْ يَنْقُضُهَا مَنْ لَا يَعْرِفُ حَقَّهَا وَيَنْتَهِكُ حُرْمَتَهَا بَعْضُ الْأَعْرَابِ وَسَوَادُ الْجَيْشِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ، وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ: لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا بَلِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِحُكْمِ اللَّهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمَنْ يَقُولُ: إِنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ يَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ. أَنَّكَ لَا تَأْمَنُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى وَحْيٍ بِخِلَافٍ مَا حَكَمْتَ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ تَحْكِيمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ: " لَقَدْ حَكَمْتَ لَهُمْ بِحُكْمِ اللَّهِ " وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَيَكُونُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا اهـ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضِ أَهْلِ السُّنَّةِ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا الْأَرْبَعَةُ، وَأَلْفَاظُ بَعْضِهِمْ تَزِيدُ عَلَى بَعْضٍ وَتَخْتَلِفُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute