للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٩٣١ - وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بَمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ، فَلَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، فَلَجَئُوا فِي الْحِصْنِ، فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} [الصافات: ١٧٧] » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ــ

٣٩٣١ - (وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا) : الْبَاءُ بِمَعْنَى الْمُصَاحَبَةِ ; أَيْ: إِذَا غَزَوْنَا وَهُوَ مَعَنَا (لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا) : بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ خَبَرٌ ; أَيْ: لَمْ يَكُنْ غَازِيًا بِنَا. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: لَمْ يَكُنْ يَغْزُ بِنَا، هَكَذَا هُوَ فِي الْمَصَابِيحِ، وَأَرَى الْوَاوَ قَدْ سَقَطَ عَنْ قَلَمِ الْكَاتِبِ وَصَوَابُهُ إِثْبَاتُهَا، وَلَوْ جُعِلَ مِنْ الِاغْتِرَاءِ عَلَى زِنَةِ يُلْهِبُنَا لَمْ يَسْتَقِمْ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ يُحْرِزُنَا لِلْغَزْوِ، قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ يَسْتَقِيمُ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ يُرْسِلْنَا إِلَيْهِ، وَلَمْ يَحْمِلْنَا عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى إِذَا أَرَادَ الْغَزْوَ بِنَا قَوْمًا لَمْ يَغْزُ بِنَا اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ: غَزَا الْعَدُوَّ سَارَ إِلَى قِتَالِهِمْ وَأَغْزَاهُ حَمَلَهُ عَلَيْهِ كَغَزَاهُ وَأَمْهَلَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ لَا الْمَجَازِيُّ، كَمَا أَفَادَهُ الْبَيْضَاوِيُّ، وَأَمَّا جَعْلُ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُنَاسَبَةِ اللَّفْظِيَّةِ دُونَ الْمُرَاعَاةِ الْمَعْنَوِيَّةِ، مَعَ أَنَّهَا حَاصِلَةٌ ; أَيْضًا، فَإِنَّ الْمَعْنَى إِذَا أَرَادَ الْغَزْوَ لَمْ يَحْمِلْنَا عَلَيْهِ فِي سَاعَتِهِ، بَلْ كَانَ يُمْهِلُنَا حَتَّى نَسْتَعِدَّ وَيَرَى الْمَصْلَحَةَ فِي مُبَاشَرَةِ الْمُقَاتَلَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: (حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ) : أَيْ: إِلَيْهِمْ كَمَا فِي نُسْخَةٍ ; أَيْ: يَتَأَمَّلَ فِي حَالِهِمْ، وَيَسْتَدِلَّ عَلَى عَقَائِدِهِمْ بِأَفْعَالِهِمْ (فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا) : أَيْ: إِعْلَامًا بِالصَّلَاةِ (كَفَّ عَنْهُمْ) : أَيِ: امْتَنَعَ عَنْ قِتَالِهِمْ وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ (وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَغَارَ عَلَيْهِمْ) : قَالَ الْقَاضِي: أَيْ: كَانَ يَتَثَبَّتُ فِيهِ وَيَحْتَاطُ فِي الْإِغَارَةِ حَذَرًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُؤْمِنٌ فَيُغِيرَ عَلَيْهِ غَافِلًا عَنْهُ جَاهِلًا بِحَالِهِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ الْأَذَانَ شِعَارٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، فَلَوْ أَنَّ أَهْلَ بَلَدٍ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِهِ كَانَ لِلسُّلْطَانِ قِتَالُهُمْ عَلَيْهِ اهـ. وَكَذَا نُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا. (قَالَ) : أَيْ: أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( «فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلًا، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلَفَ أَبِي طَلْحَةَ» ) : وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ أَنَسٍ (وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قِيلَ: يَعْنِي كُنْتُ أَنَا وَأَبُو طَلْحَةَ وَالنَّبِيُّ رَاكِبِينَ عَلَى بَعِيرٍ وَاحِدٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَسَّ الْقَدَمِ كِنَايَةٌ عَنْ كَمَالِ الدُّنُوِّ وَالْقُرْبِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُهُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعِيرٍ وَاحِدٍ. (قَالَ) : أَيْ: أَنَسٌ (فَخَرَجُوا) : أَيْ: أَهْلُ خَيْبَرَ مِنْ حِصْنِهِمْ (إِلَيْنَا) : أَيْ: غَيْرَ عَالِمِينَ بِنَا بَلْ قَاصِدِينَ عِمَارَةَ نَخِيلِهِمْ (بِمَكَاتِلِهِمْ) : جَمْعِ مِكْتَلٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الزِّنْبِيلُ الْكَبِيرُ (وَمَسَاحِيهِمْ) جَمْعُ مِسْحَاةٍ وَهِيَ الْمِجْرَفَةُ مِنَ الْحَدِيدِ وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ ; لِأَنَّهُ مِنَ السَّحْوِ ; أَيِ: الْكَشْفِ لِمَا يُكْشَفُ بِهِ الطِّينُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ، (فَلَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا: مُحَمَّدٌ، وَاللَّهِ) : أَيْ: هَذَا مُحَمَّدٌ، أَوْ أَتَانَا مُحَمَّدٌ، وَقَوْلُهُ: (مُحَمَّدٌ) : تَأْكِيدٌ (وَالْخَمِيسُ) : أَيْ: وَمَعَهُ الْجَيْشُ، كَذَا ذَكَرَهُ التُّورِبِشْتِيُّ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْخَمِيسُ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ " مُحَمَّدٌ " وَرُوِيَ مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْخَمِيسُ حَالٌ، وَالْخَبَرُ مُقَدَّرٌ، وَالْعَامِلُ اسْمُ الْإِشَارَةِ اهـ. وَفِي كَوْنِهِ مَفْعُولًا مَعَهُ إِشْكَالٌ إِلَّا أَنْ يُقَالَ التَّقْدِيرُ: وَصَلَ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، وَسُمِّيَ الْجَيْشُ خَمِيسًا ; لِانْقِسَامِهِ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ: الْمُقَدِّمَةِ، وَالسَّاقَةِ، وَالْمَيْمَنَةِ، وَالْمَيْسَرَةِ، وَالْقَلْبِ، أَوْ لِتَخْمِيسِ الْغَنَائِمِ فِيهِ (فَلَجَئُوا) : أَيْ: فَرَجَعُوا وَالْتَجَئُوا (إِلَى الْحِصْنِ، فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيْ: هَارِبِينَ (قَالَ) : تَفَاؤُلًا بِانْهِزَامِهِمْ وَانْكِسَارِهِمْ وَخَرَابِ دِيَارِهِمُ (اللَّهُ أَكْبَرُ) : أَيْ: أَعَزُّ وَأَغْلَبُ (اللَّهُ أَكْبَرُ) : تَأْكِيدٌ، أَوِ الْمُرَادُ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقْبَى (خَرِبَتْ خَيْبَرُ) : خَبْرٌ، أَوْ دُعَاءٌ (إِنَّا) : أَيْ: مَعْشَرَ الْإِسْلَامِ، أَوْ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ بَيَانَ الْمُوجِبِ خَرَابَ خَيْبَرَ، وَقَوْلُهُ: اللَّهُ (أَكْبَرُ اللَّهُ) أَكْبَرُ فِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّبِ مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّرَ نُزُولَهُ بِسَاحَتِهِمْ بَعْدَمَا أُنْذِرُوا، ثُمَّ أَصْبَحَهُمْ وَهُمْ غَافِلُونَ عَنْ ذَلِكَ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: السَّاحَةُ الْفَضَاءُ وَأَصْلُهَا الْفَضَاءُ بَيْنَ الْمَنَازِلِ {فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} [الصافات: ١٧٧] : بِفَتْحِ الذَّالِ ; أَيِ: الْكُفَّارِ، وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَوْ لِلْجِنْسِ ; أَيْ: بِئْسَ صَبَاحُهُمْ لِنُزُولِ عَذَابِ اللَّهِ بِالْقَتْلِ وَالْإِغَارَةِ عَلَيْهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا، وَفِيهِ اقْتِبَاسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ - فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} [الصافات: ١٧٦ - ١٧٧]

<<  <  ج: ص:  >  >>