وَقَالَ حَسَنٌ (وَذَكَرَ حَدِيثَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ) بِالتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ ; أَيْ دِمَاؤُهُمْ (وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ. . .) الْحَدِيثَ بِطُولِهِ (فِي كِتَابِ الْقِصَاصِ) يَعْنِي فَأَسْقَطْنَاهُ مِنْ هَاهُنَا لِلتَّكْرَارِ، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: إِذَا أَمَّنَ رَجُلٌ حُرٌّ، أَوِ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ كَافِرًا، أَوْ جَمَاعَةً، أَوْ أَهْلَ حِصْنٍ، أَوْ مَدِينَةً صَحَّ أَمَانُهُمْ عَلَى إِسْنَادِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْمَفْعُولِ وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ، وَالْأَصْلُ فِيهِ هَذَا الْحَدِيثُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» ; أَيْ لَا تَزِيدُ دِيَةُ الشَّرِيفِ عَلَى دِيَةِ الْوَضِيعِ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ أَيْ كَأَنَّهُمْ آلَةٌ وَاحِدَةٌ مَعَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْمِلَلِ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ بِاعْتِبَارِ تَعَاوُنِهِمْ عَلَيْهِ، قَالَ: وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْقِتَالِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَصِحُّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَلِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ قَرْيَةً مِنْ قُرَى فَارِسَ يُقَالُ لَهَا شَاهَرْتَا فَحَاصَرْنَاهَا شَهْرًا حَتَّى إِذَا كُنَّا ذَاتَ يَوْمٍ وَطَمِعْنَا أَنْ نُصَبِّحَهُمُ انْصَرَفْنَا عَنْهُمْ عِنْدَ الْمَقِيلِ خَلْفَ عَبْدٍ مِنَّا فَاسْتَأْمَنُوهُ فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ أَمَانًا، ثُمَّ رَمَى بِهِ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا رَجَعْنَا إِلَيْهِمْ خَرَجُوا إِلَيْنَا فِي ثِيَابِهِمْ وَوَضَعُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَقُلْنَا مَا شَأْنُكُمْ فَقَالُوا أَمَّنْتُمُونَا وَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا السَّهْمَ فِيهَا كِتَابٌ بِأَمَانِهِمْ فَقُلْنَا هَذَا عَبْدٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، قَالُوا: لَا نَدْرِي عَبْدَكُمْ مِنْ حُرِّكُمْ قَدْ خَرَجْنَا بِأَمَانٍ فَكَتَبْنَا إِلَى عُمَرَ فَكَتَبَ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَانُهُ أَمَانُهُمْ وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزَادَ فَأَجَازَ عُمَرُ أَمَانَهُ، وَالْحَدِيثُ جَيِّدٌ وَفُضَيْلُ بْنُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا " «أَمَانُ الْعَبْدِ أَمَانٌ» " فَحَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ اهـ. وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةِ سَحْنُونٍ عَنْهُ مَذْكُورَةٌ فِي شَرْحِ ابْنِ الْهُمَامِ مَبْسُوطَةٌ قَالَ وَإِنْ آمَنَ الصَّبِيُّ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَلَا يَصِفُهُ لَا يَصِحُّ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ كَالْمَجْنُونِ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَنِ الْقِتَالِ فَعَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي وَجْهٍ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَطَلَاقِهِ وَعَتَاقِهِ، وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute