وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَرَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ بِالشَّكِّ، فِي الْفَارِسِ، أَوِ الْفَرَسِ، وَمِنْ طَرِيقٍ جَزَمَ بِالْفَارِسِ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ; أَيْضًا فِي كِتَابِهِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ، وَإِذَا ثَبَتَ التَّعَارُضُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، بَلْ فِي فِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُطْلَقًا نَظَرًا إِلَى تَعَارُضِ رِوَايَةِ غَيْرِ ابْنِ عُمَرَ ; أَيْضًا تُرَجِّحُ النَّفْيَ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَبِالْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الْكَرَّ وَالْفَرَّ وَاحِدٌ وَالثَّبَاتَ جِنْسٌ، فَهُمَا اثْنَانِ لِلْفَارِسِ وَلِلرَّاجِلِ أَحَدُهُمَا وَلَهُ ضِعْفُ مَا لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُعَارَضَةُ الْمُوجِبَةُ لِلتَّرْكِ فَرْعُ الْمُسَاوَاةِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْبُخَارِيِّ فَهُوَ أَصَحُّ. قُلْنَا: قَدَّمْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ كَوْنَ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ أَصَحَّ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ فِي غَيْرِهِ، مَعَ فَرْضِ أَنَّ رِجَالَهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، أَوْ رِجَالٌ رَوَى عَنْهُمُ الْبُخَارِيُّ تَحَكُّمٌ مَحْضٌ لَا نَقُولُ بِهِ، مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْوَى مِنَ الْآخَرِ أَوْلَى مِنْ إِبْطَالِ أَحَدِهِمَا، وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا بِحَمْلِ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى التَّنْفِيلِ، وَكَذَا حَدِيثُ أَحْمَدَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعْطَى الزُّبَيْرَ سَهْمًا وَفَرَسَهُ سَهْمَيْنِ، وَكَذَا حَدِيثُ جَابِرٍ: «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزَاةً، فَأَعْطَى الْفَارِسَ مِنَّا ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا» ، بَلْ هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ أَمْرَهُ الْمُسْتَمِرَّ، وَإِلَّا لَقَالَ: كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَنَحْوَهُ، فَلَمَّا قَالَ غَزَاةً، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزَوَاتٍ، ثُمَّ خَصَّ هَذَا الْفِعْلَ بِغَزَاةٍ مِنْهَا، كَانَ ظَاهِرًا فِي أَنَّ غَيْرَهَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَمَا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، «أَنَّهُ شَهِدَ حُنَيْنًا فَأَسْهَمَ لِفَرَسِهِ سَهْمَيْنِ وَلَهُ سَهْمًا» ، لَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَمِرٌّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «إِنِّي جَعَلْتُ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلْفَارِسِ سَهْمًا فَمَنْ نَقَصَهُمَا نَقْصَهُ اللَّهُ» ". فَلَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الْقَيْسِيِّ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى تَضْعِيفِهِ وَتَوْهِينِهِ اهـ. وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يَحْتَمِلُ التَّنْفِيلَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: إِنِّي جَعَلْتُ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالسَّرَائِرِ وَالضَّمَائِرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute