أَيْ وَيُعَالِجْنَ الْجَرْحَى وَيَسْقِينَ الْغُزَاةَ وَيُهَيِّئْنَ لَهُمْ أُمُورَهُمْ كَمَا سَبَقَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْهُمَامِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ (وَيُحْذَيْنَ) ; أَيْ يُعْطَيْنَ (مِنَ الْغَنِيمَةِ) : وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَذْهَبِنَا كَمَا سَيَأْتِي (وَأَمَّا السَّهْمُ) : أَيْ سُؤَالُهُ (فَلَمْ يَضْرِبْ) : أَيْ لَمْ يَقْسِمْ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَلَمْ يُبَيِّنْ (لَهُنَّ بِسَهْمٍ) : أَيْ تَامٍّ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْهُمَامِ: فَأَمَّا أَنْ يَضْرِبَ لَهُنَّ بِسَهْمٍ فَلَا، وَقَدْ كَانَ يَرْضَخُ لَهُنَّ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَفِيهِ أَنَّهُ مُوهِمٌ أَنَّ مَرْوِيَّ أَبِي دَاوُدَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ; أَيْضًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْعَبِيدَ وَالصِّبْيَانَ وَالنِّسْوَانَ إِذَا حَضَرُوا الْقِتَالَ يُرْضَخُ لَهُمْ وَلَا يُسْهَمُ اهـ. وَالرُّضْخُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِالْمُعْجَمَتَيْنِ إِعْطَاءُ الْقَلِيلِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَلَا يُسْهَمُ لِمَمْلُوكٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا ذِمِّيٍّ، وَلَكِنْ يُرْضَخُ لَهُمْ وَيُعْطَوْنَ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ، فَإِنَّ الرُّضْخَ فِي الْإِعْطَاءِ كَذَلِكَ وَالْكَثِيرُ السَّهْمِ، فَالرُّضْخُ لَا يَبْلُغُ السَّهْمَ، وَلَكِنْ دُونَهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَسَوَاءٌ قَاتَلَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى أَبِي اللَّحْمِ قَالَ: «شَهِدْتُ خَيْبَرَ مَعَ سَادَتِي إِلَى أَنْ قَالَ: فَأُخْبِرَ أَنِّي مَمْلُوكٌ فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ» ، وَأَمَّا مَا فِي أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ، عَنْ جَدَّةِ حَشْرَجِ بْنِ زِيَادٍ أُمِّ أَبِيهِ: «أَنَّهَا خَرَجَتْ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ سَادِسَةَ سِتٍّ مِنَ النِّسْوَةِ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَبَعَثَ إِلَيْنَا فَجِئْنَا فَرَأَيْنَا فِي وَجْهِهِ الْغَضَبَ فَقَالَ: " مَعَ مَنْ خَرَجْتُنَّ وَبِإِذْنِ مَنْ خَرَجْتُنَّ؟ " فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْنَا نَغْزِلُ الشَّعَرَ، وَنُعِينُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَعَنَا دَوَاءٌ لِلْجَرْحَى، وَنُنَاوِلُ السِّهَامَ، وَنَسَقِي السَّوِيقَ: فَقَالَ: " قُمْنَ " حَتَّى إِذَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَيْبَرَ أَسْهَمَ لَنَا كَمَا أَسْهَمَ لِلرِّجَالِ» ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لِجَهَالَةِ رَافِعٍ وَحَسِيرٍ حِينَئِذٍ مِنْ رُوَاتِهِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اسْتَطَابَ أَهْلَ الْغَنِيمَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُشْبِهُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَعْطَاهُنَّ مِنَ الْخُمُسِ الَّذِي هُوَ حَقُّهُ هَذَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ الْعَطَاءِ وَإِرَادَةً بِالسَّهْمِ مَا خُصِّصْنَ بِهِ، وَالْمَعْنَى خَصَّنَا بِشَيْءٍ كَمَا فَعَلَ بِالرِّجَالِ، ثُمَّ الرُّضْخُ عِنْدَنَا مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ إِخْرَاجِ الْخُمُسِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَفِي قَوْلٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ، وَفِي قَوْلِ لِلشَّافِعِيِّ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، وَقَالَ مَالِكٌ: مِنَ الْخُمُسِ، ثُمَّ إِنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يُرْضَخُ لَهُ إِذَا قَاتَلَ، وَكَذَا الصَّبِيُّ وَالذِّمِّيُّ ; لِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْقِتَالِ إِذَا فَرَضَ الصَّبِيُّ قَادِرًا عَلَيْهِ، فَلَا يُقَامُ غَيْرُ الْقِتَالِ فِي حَقِّهِمْ مَقَامَهُ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تُعْطَى بِالْقِتَالِ وَبِالْخِدْمَةِ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ، وَإِنْ لَمْ تُقَاتِلْ ; لِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْهُ، فَأَقَامَ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ مِنْهَا مَقَامَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute